بالرغم أنَّنا دخلنا القرن الواحد و العشرين بكلِّ ما يحمله من انفتاح و استقلالية، إلاَّ أنّنا ما زلنا نسمع عن تلك الجلسة التي يجب أن تجلسها الأم مع ابنتها ليلة زفافها وحدهما أو مع مجموعة من أقاربها النساء، عادة قديمة توارثناها جيلاً بعد جيل.
لن نتعرَّض لما قد تحويه هذه الجلسة من كسر لحاجز الحياء، أو إذاعة لبعض حرمات الحياة الزوجية بذريعة نقل الخبرات من الأم و القريبات الى العروس في عصر انتشر فيه العلم و القراءة التي تغني عن دروس المشافهة التي نتناقلها من أيام جداتنا بخرافات و أخطاء أثبتت فشلها، و نصائح مزعومة قد تحول الحياة الزوجية إلى جحيم.
و ثقافتنا الشعبية تزخر بالأمثال التي تثبت أنَّ الأم تجهّز ابنتها كالمحارب الذَّاهب إلى ساحة المعركة، و ليس إلى حضن عائلة جديدة، فتحذرها من الجميع بما فيهم زوجها الذي هو في سنة المصطفى صلّى الله عليه و سلّم جنتها و نارها و أحد أبوابها الى الجنة، فتوصيها أن لا تسرف في دلاله و حسن معاملته "فزوجك على ما عودتيه"، و أن تقيده بجميع القيود الممكنة التي تكفل أن يبقى مشغولاً مذهولاً و منها كثرة الأولاد، فالوصية تقول :" يغلبك بالمال و تغلبيه بالعيال"، و حتى لا يغلبها بالمال تنصحها أن لا تُبقي في جيبه درهماً و لا ديناراً "و تقصقص جناح طيرها حتى لا يطير الى غيرها".
أمَّا الحماه، فبدل أن تنصحها أن تتخذ منها أمّاً ثانية و تبرها برّاً بزوجها، تحذرها منها شرّ تحذير، و كأنَّها العدو الأول و المصيبة المحقّقة، و حتى لو كانت الحماة محسنة، فالنصيحة ألا تنخدع بها، لأنَّه "مكتوب على باب الجنة ما عمر حماه حبّت كنّة"، بل و تزين لها أبعادها عن حياتها و أسرتها بأمثال تقول :" الحية و النار و لا حماتي في الدار" .
و تتوسع العداوة لتشمل كلّ أقارب الزوج، فحتى السلفة، و هي امرأة أخرى مثلها كل ذنبها أن جمعتها بها علاقة نسب بزواجها من أخ زوجها، تصنّف أيضا في خانة الأعداء بعبارات مثل :
" دق القرفة و لا صباح السلفة"
وإن كان هذا حال الأقارب و الأنسباء، فالجيران بحال أسوأ "فكوم حجار" قد يكون أفضل من الجار، وخير ما يتوقعه المرء من جاره أو جارته عبارة صباح الخير ليذهب بعدها الجميع في حاله.
كنا نعتقد أننا مجتمعات عائلية متماسكة تحسن البر و تحب "اللَّمة"، كما نرى على الأقل في المسلسلات السورية التي تقدّم للمشاهدين حياة العائلات الممتدة التي تعيش تحت سقف واحد مع قليل من المناكشات كالملح في الطعام لإضفاء نكهة على الحياة، فماذا حلَّ بنا؟
ماذا نتوقع من الحياة إذا كانت حالة حرب دائمة في داخل البيت و خارجه؟
هل ثقافة الأمثال هذه، التي لم تتولد من الخيال و لم تُخترع اختراعاً، خلاصة تجارب عاشتها النساء فولدت لديهن هذه المرارة؟ و من السبب في هذه التجارب المريرة؟
أم هي مجرد وسوسات شيطان يريد أن يزرع الفرقة في أسرنا الصغيرة و الممتدة؟
لو خيّرنا بين حالة الحرب التي تصوّرها ثقافتنا الشعبية، و بين حالة المودة و الاستقرار و السكينة التي يمنحها صفاء النوايا و الأعمال، و معرفة أنَّ الإحسان و الصلة لا يبليان و يعودان على المرء بالسَّعادة و الصّحة و الرّزق في نفسه و أهله، فأيهما نختار؟