يؤكّد العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي أنَّ (مشكلة المشكلات) تتمثل في غفلة الأمة وتناسيها رسالتها التي هي أساس قيامها ومعول بنائها . ويبيّن أنَّ هناك ثلاث مشاكل:
الأولى: تتمثل في الفجوة الملموسة بين المسلمين في بعضهم بعضاً، وذلك نتيجة العصبية القوميَّة والمذاهب المتعددة المستوردة، والتي تُؤدّي إلى التفرقة وتفشي الأنانيَّة والمنفعة الشخصية.
أمَّا الثانية: فتتمثلُ في الفجوة بين الحكام والشعوب باعتبار أنَّ الشعُوب فطريًّا مع الإسلام في حين أنَّ الحكَّام مُوالون لأنظمة ومُعسكرات معادية له وعليه يتحقق تشبيهُ الكاتب: (وبهذا يبقون في واد وشعوبهم في واد آخر، كأنهما خطان متوازيان لا يلتقيان).
أمَّا الثالثة: فتتعلقُ بالفجوة ما بين الجماهير دينية الفكرة والسُّلوك والنخبة المُتعلّمة المتبنيَّة للعلمانيَّة فكرةً ومنهاجًا (فصل الدّين عن الدولة).
ولتحقيق الحلّ الأمثل لهذه المشكلات في ظل تطلّع الأمَّة إلى النصر المبين، لهذا كان أوّل ما تحتاج الأمَّة، وهو الهمّ الأول للمصلحين الإسلاميين الواعين أن ينشأ جيل مسلم جديد يستحق أن يسمّى (جيل النصر)، ولهذا النصر وقواعد وأصول، ولهذا الجيل صفات وخصائص، شرحها وفصّلها الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه (جير النصر المنشود).
(ذلكم هو الجيل المنشود: ذلكم هو الجيل الربّاني الخصال، الإنسانيّ الصفات، جامعُ الفضائل، تلك هي مميّزات جيل النهضة والنصر المبين الذي استمد من دين الله وكتابه تعاليمه وسلوكيّاته متشبهًا في ذلك بالصحابة الكرام والتابعين)
مع الكتاب:
- يبتدئ الدُكتور القَرضاوي كِتَابهُ بحوارٍ دَار مُجملُهُ عَن مَا أصاب الأمَّة من ذُلٍ واستكانة وعَار إذ يسألهُ صاحبه والحيرة تتملكُه والصدماتُ تُلجمه عَن المصائب التي تنزفُ بالأمة والصمت الأخرس للعرب والعجز الذلِيل للمسلِمين، فيتبَادلاَن آهاتٍ لاَ يخلُوها بصيصُ أمل ثم يسأله عن فجرٍ يوقظُ المسلمين من غيبوبتهم وعن قائد يجمعُ كلمتهم ويقوي بأسهم ويعِيد أيَّام عزِّهم فيجيبُه الشيخُ مبعدًا عنه شعُور اليأس والقنوط بأنَّ سنة الله تؤكدُ أن بعد العسر يُسرًا وذلك بمراعاة مجموعة من الأحكام والقوانين.
- يضع العلاّمة القرضاوي قوانين النصر ثلاثة قوانين النصر، وهي :
القانون الأول : {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، (آل عمران:126)، وهي أول القواعد وأعظمها والتي يتوجب على المسلمين إدراكها والتبصر بها فلا العدد ولا العدَّة ولا حسن التخطيط والتنظيم.
القانون الثاني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. (محمد:7)، فالله ناصرُ من ينصره ويتحقق ذلك بنصرة دينه الإسلاميّ وإظهار كتابه ورفع رايته وإعلاء كلمته وتثبيت شريعته والالتزام بأوامره والابتعاد عن نواهيه .
القانون الثالث: { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}. (الأنفال:62-63)، لقد أراد الله تعالى النصر وجعله للمؤمنين لا لسواهم، فهو لهم وبهم باعتبارهم الغاية منه وذخيرته .
- يقول القرضاوي: (وعليه، فإذا أردنا أن يعجِّل الله لنا بالنصر فلا بد أن نعمل ونتحرَّك ولا يكون هذا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقط، وإنما يتعدّاه لتحريك فكر وفاعليّة الإنسان والأمر بالمعروف والجهاد في سبيل الله والإصلاح في الدنيا وتعميرها وإقامة الخلافة الإسلامية عليها فيأتي الله عزَّ وجل بالنصر لأنَّ هذا هو السبيل).
يستعرضُ المؤلف صفات وخصال جيل النصر المنشود، كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ونذكرها هنا مختصرة :
1-جيل يؤمن بالواقعية والعلمية.
2- جيل عمل وبناء جماعي.
3-جيل ربانية وإخلاص.
4-جيل نسبه الإسلام.
5-جيل دعوة وجهاد .
6-غرباء.. ولكن يعايشون الناس
7-جيل قوَّة وعزَّة
8- جيل توازن واعتدال.
9-أوّابون توّابون.
يقول الدكتور القرضاوي : (ذلكم هو الجيل المنشود: ذلكم هو الجيل الربّاني الخصال، الإنسانيّ الصفات، جامعُ الفضائل، تلك هي مميّزات جيل النهضة والنصر المبين الذي استمد من دين الله وكتابه تعاليمه وسلوكيّاته متشبهًا في ذلك بالصحابة الكرام والتابعين).
ذلكم هو الجيل الذي تسعى القوى العالميّة لإجهاضه ووأده أو باغتياله وإغراءه مستنفذة في ذلك كل الأسلحة والطرق.
ذلكم هو الجيل الجدير بعمارة الأرض وخلافتها خلافة إسلامية تقوم على توحيد الله والعدل بين النّاس، جيل يساهم في تحرير الأوطان وإزالة الأوثان والطواغيت وهو الجيل الذين ينشده المفكرون والواعون ويهبه المولى الفتح والنصر المبين).
فإذا أردنا أن يعجِّل الله لنا بالنصر فلا بد أن نعمل ونتحرَّك ولا يكون هذا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقط، وإنما يتعدّاه لتحريك فكر وفاعليّة الإنسان والأمر بالمعروف والجهاد في سبيل الله والإصلاح في الدنيا وتعميرها وإقامة الخلافة الإسلامية عليها فيأتي الله عزَّ وجل بالنصر لأنَّ هذا هو السبيلمع المؤلف:
لن نستطيع أن نقدّم ترجمة مختصرة للعلاّمة القرضاوي، فحياته حافلة بالعطاء والعلم والدَّعوة والتربية والـتأليف، وفيما يلي نبذة مختصرة تحوي بعض ملامح سيرته اخترناها من موقع " ويكيبيديا":
ولد الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي في 9 سبتمبر 1926م ، في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر.
حفظ القران الكريم وهو دون العاشرة، وقد التحق بالأزهر الشريف حتى تخرج من الثانوية، ثمَّ التحق الشيخ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ومنها حصل على العالية سنة 1953، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م، كما حصل يوسف القرضاوي على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب في سنة 1958، لاحقاً في سنة 1960 حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين، وفي سنة 1973م حصل على (الدكتوراه) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من الكلية نفسها، وكان موضوع الرسالة عن "الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية".
انتمى القرضاوي لجماعة الإخوان المسلمين وأصبح من قياداتها المعروفين ويعتبر الشيخ منظر الجماعة الأول، كما عرض عليه تولي منصب المرشد عدة مرات لكنه رفض، وكان يحضر لقاءات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين كممثل للإخوان في قطر إلي أن استعفي من العمل التنظيمي في الإخوان.
وقام الدكتور القرضاوي بتأليف كتاب الإخوان المسلمون سبعون عاماً في الدعوة والتربية والجهاد يتناول فيه تاريخ الجماعة منذ نشأتها إلى نهايات القرن العشرين ودورها الدَّعوي والثقافي والاجتماعي في مصر وسائر بلدان العالم التي يتواجد فيها الإخوان المسلمون.
وأبدى القرضاوي ترحيبه بتولي الإخوان حكم مصر وأنَّهم "الجماعة الإسلامية الوسطية المنشودة" حسب وصفه، واعتبر مشروع الإمام حسن البنا هو "المشروع السني الذي يحتاج إلي تفعيل"، ووصف الإخوان المسلمين بأنهم "أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم وأكثرهم استقامة ونقاء.
للقرضاوي ما يزيد عن 120 من المؤلفات من الكتب، والرسائل والعديد من الفتاوى كما قام بتسجيل العديد من حلقات البرامج الدينية منها التسجيلية والحيَّة.
مع اشتهاره بالعلم والفتوى والتفقه، فإن له من القصائد والأشعار المتفرِّقة، والتي لم تجمع بعد في صعيد واحد أو ديوان، ويميّز شعره بجزالة الأسلوب ووضوح المعاني، ويتناول عادة القضايا الإيمانية وطلب تحرير الأقصى وفضائل الأخلاق.
شغل الدكتور القرضاوي عدّة مناصب نذكر من بينها : (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر، ورئيس هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي ومصرف فيصل الإسلامي بالبحرين، وعضو مجلس الأمناء لمركز الدراسات الإسلامية في أكسفورد...).