الصحابيات والفيس بوك: قضية للنقاش

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » الصحابيات والفيس بوك: قضية للنقاش
alt

هو سؤال عرضه أحد الدعاة مرَّة إلاَّ أنَّ إجابته شاقة على النفس: لو طرق الباب طارق، و فتحت و كان بالباب رسول الله صلى الله عليه و سلم ماذا سيكون رد فعلك؟ هل سترحب و تفرح بالزيارة لأنك تعلم أنَّ الرَّسول سيسر بحياتك و هي قائمة على منهج الله و سنة رسوله، و سيعلم أنَّ تضحيته و صبره آتى أُكله فيك؟ هل ستطلب منه أن يؤجل الزيارة و يعطيك فرصة للإصلاح و الاستدراك؟ هل ستكون من الذين يتمنون أن تسوى بهم الأرض أو يكونون ترابا حياء منه عليه الصلاة و السلام بعدما ضيعوا الدين و السنة و فرطوا فيهما؟

ورغم أنَّ السؤال فرضي، hypothetical، أي غير قابل للتحقق، و الحقيقة أنَّ شكلاً آخرَ من أشكاله سيتحقق يوم القيامة و الملائكة يذهبون بالعصاة الى الحساب و الرسول يدفع و يحامي عنهم،فترد الملائكة: إنك لا تعلم ما أحدثوا بعدك، الا ان إجابة السؤال كفيلة بتغير أمور كثيرة في حياتنا، و وضع الأشياء في نصابها، و وزن المستجدات بميزان السنة: ماذا كان الرسول و صحابته ليفعلوا في موقف كذا و كذا؟

والذين يرغبون بالحياة بهذا النهج هم الذين يأملون باستعادة الأفضلية التي حصلها الصحابة عندما قال الرسول فيهم: خير القرون قرني، و صحابتي أمنة لأمتي، يوم كانت أمته خير أمة عرفتها البشرية "تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله".
و الصَّحابة هم أول من سلك درب الاقتداء الكامل و بالذَّات بعد وفاة النبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام، فكانوا يذهبون إلى أمهات المؤمنين و يسألونهن ماذا كان الرسول يفعل في مواقف متعددة، بل إنَّ عبد الله بن عمر كان يتتبع خطوات الرسول و يمشي في الطرق التي مشى فيه و يقول"لعل قدما تقع على قدم" على أمل أن يُغفر له.

ولقد نالت الصَّحابيات من فضل العلم و التعلم و المرافقة و الصحبة و الأجر ما فقن به بعض الرِّجال، وجهلة من يظنون أن المرأة في عصر النبوة و خلافات الاسلام كانت حبيسة الجدران تدخل بيتها و لا تخرج منه إلاَّ إلى القبر!! أو أنَّ دورها كان محصوراً في الإنجاب و التربية،على فضلهما، فقد كانت منهن طالبة العلم كالسيدة عائشة، و التاجرة و سيدة الأعمال كخديجة و هند بنت عتبة، و المجاهدة كسمية أم عمار و أسماء ذات النطاقين و الخنساء، و الممرضة كرفيدة الأسلمية، و وزيرة الحسبة كالشفاء القرشية، و الشاعرة كسكينة بنت الحسين و ميسون البحدلية، هذا على سبيل المثال لا الحصر
كانت حياتهن كما يظهر من سيرتهن متناغمة لا خلاف فيها بين الإيمان و الاتباع و الاقتداء و الانفتاح و الاطلاع و العمل، و لم تكن عصورهن تخلو من التحديات و المعاملات الجديدة و الطارئة بحسب المكان و الزمان الا ان فقهاء عصورهن لم يكونوا فقهاء تحريم و منع و اتقاء و جُنة، و لو كان ذلك لما صمد فقههم في زمننا هذا الذي لا يعرف رأسه من رجليه لكثرة تقلبه، و ما زلنا نتبع و نستنير بهداهم الى يومنا هذا، و نتوزع في بلادنا بين الشافعية و الحنفية و الحنبلية و المالكية، و ظللنا نتوارث و نستبشر بأنَّ الأصل في الأشياء الحِلة (أي أنها حلال) و الإباحة ما لم يثبت غير ذلك بنص قاطع.

كانت حياة الصَّحابيات و التابعيات خالية من تجاذبات التشدد المفرط و التفريط المتساهل، فلم يكن المجتمع الاسلامي قد ذاق بعد مرارة الغلو يمنة و يسرة و كان شعاره "بشروا و لا تنفروا و يسروا ولا تعسروا".
هذه الحياة الوادعة النظيفة الحافلة بالإنجاز جديرة بأن تكون مرجعاً لنساء زماننا هذا و نحن نتيه بين من يريد أن ينفينا من المجتمع باسم الدين، و بين من يريد أن يبعدنا عن كل ما يمثله الدين و التدين مصوّراً إيّاه كعودة إلى العصور الوسطى و تخلفها، و هم لا يدرون أنَّ العصور الوسطى كانت عصور العلم و النهضة بالنسبة للمسلمين بينما كانت أوروبا تغرق في سبات الغفلة و الانحطاط، و هذا بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، و المبغضين قبل المنصفين.  إلى متى نتعامل مع المستجدات كما تتعامل قوات الدرك و مكافحة الشغب مع الشعوب العربية، وأنَّ أفضل ما يمكن أن تقوم به هو أن لا تسمع و لا ترى و لا تتكلم، و أن تبعد عن الشر و تغنيله و تسد الباب الذي يأتيك منه الريح و تمشي الحيط الحيط؟!

هي حياة جديرة بالاستذكار كلَّما عرض لنا عارض لا نعرف كيف نتعامل معه، أنأخذ أم ندع؟ أنقدم أم نحجم؟ ما ضريبة الأخذ و ما عواقب الرفض؟
هي حياة جديرة بالاستذكار و نساء العرب يغزون صفحات "الفيس بوك" طولاً و عرضاً و شمالاً و جنوباً، و بالذات اللواتي ينتهجن درب الاسلام و الفضيلة و المحافظة.

ماذا كانت الصحابيات لتفعلن بالفيس بوك لو كن مكاننا؟
يرفضن الفكرة من أصلها بحجة أنَّ الموقع استخباراتي من الدَّرجة الأولى؟ أم يذكرن سنة الرَّسول و الصَّحابة في أنَّ الحرب خدعة، و أنَّ السيف الذي يميت هو ذاته الذي يدافع عن الحياة، و أن استخدام هذه الوسيلة بحكمة قد يقلب السحر على الساحر و يرد كيد مدبر السوء الى نحره؟

و لنفرض أنَّهن استخدمن هذه الوسيلة المعنية بالتواصل الاجتماعي و التي بلغت شهرتها و انتشارها و تأثيرها أصقاع الأرض فكيف سيستخدمنها؟ لصلة الرحم؟ للتواصل مع الأهل و الأصدقاء؟ لنفع المسلمين و الرد على أعدائهم بنفس الوسيلة و بنفس اللسان؟

ماذا عن كثرة الاختلاط الالكتروني بين الرِّجال و النساء الذي قد يتجاوز الضوابط و يفتح أبواب الأخذ و الرد و الألفة بزوال الكلفة للتعليق على المهم و التافه للفائدة أو لمجرد المجاملة غير ما يرافقها من انفعالات و غضب و ضحك كتابي، و تبادل للتهاني في المسرّات، و مشاركة بالتعازي في الأتراح؟ و في بعض الأحيان لا نعرف عن هذا الشخص و عن هذه "الشخصة" المصنفان في في خانة الأصدقاء سوى اسميهما، و أنَّهما أصدقاء أصدقاء أصدقاء أصدقاء أصدقاء أصدقاء صديقي الى سابع صديق!! و في عرف "الفيس بوك" يعتبر من قلة الأدب و الذوق أن ترد دعوة هذا الصديق الذي لم تعرفه في حياتك!
قد يقول قائل: لكن لماذا التشديد على الفيس بوك؟ أليست هذه طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه بما فيه المجتمع المتدين؟ لقد زاد عمل الرجال و النساء سوية في معظم المشاريع النبيلة و الهادفة و ما "الفيس بوك" إلاَّ انعكاس لهذه الحقيقة..

بينما قد يقول آخر : لماذا هذه العقلية الاتهامية التي تفترض أن أي تعامل بين الرجل و المرأة سيفضي الى مصيبة؟
ألم تكن صفوف الصَّحابيات وراء صفوف الرِّجال في المسجد و ساح القتال؟ و لكن التاريخ لم يسجل حالات التفسخ و التفلت التي يعيشها العرب على صفحات الفيس بوك!
فهل الناس غير الناس؟ أم أنَّ الدنيا تغيرت و الأحوال اختلفت؟
أليس الإسلام صالحاً لكلِّ زمان و مكان؟
أليس الدين متيناً يصمد لكلِّ خبيث مهما كانت قوته؟
هل نقول : الدين متين و نعرض أنفسنا للهب النار و نحن لا نملك وسائل مكافحة الحريق الذي قد يأتي على هويتنا و مبادئنا؟
أو يصبح حالنا كالذي غطس في الماء يرجو النجاة و هو لا يحسن السباحة من باب أنه جبل لا تهزه ريح أو كما قال الشاعر :
ألقاه في اليمِّ مكتوفاً و قال له  إيّاك إيّاك أن تبتل بالماء

و لكن إلى متى نتعامل مع المستجدات كما تتعامل قوات الدرك و مكافحة الشغب مع الشعوب العربية، وأنَّ أفضل ما يمكن أن تقوم به هو أن لا تسمع و لا ترى و لا تتكلم، و أن تبعد عن الشر و تغنيله و تسد الباب الذي يأتيك منه الريح و تمشي الحيط الحيط؟!

لو كان الفيس بوك حراماً و بلاءً و سوءاً لماذا تكثر عليه صفحات العلماء و الدّعاة التي ينضم إليها المعجبون رجالاً و نساءً و يستطيعون النقاش من خلالها؟ إذا سلك العلماء هذا الدَّرب، فماذا يُتوقع من المحبين و الأتباع و المريدين؟
هي أسئلة لا أعرف لها جواباً تؤرقني كلَّما فتحت الفيس بوك، وأنا أعتبر كسلانة و شبه خاملة على صفحاته.
لو اطلع الرَّسول صلى الله عليه و سلّم على صفحتي أكان سيسر بها؟
لو كانت الصَّحابيات في زماننا ماذا كن سيفعلن؟
الجواب بحاجة الى عالم رباني يكون على اطلاع و دراية و تجريب لا يستسهل التحريم كما يستسهل شرب الماء، و يفتح الآفاق لأن تكون الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها، و لكن دون أن يذوب ما بقي من هوية المسلمين و أخلاقهم.
بحاجة نحن نساء العرب إلى فرملة و إعادة نظر، و أن يكون رقيبنا حساساً "فالبر ما اطمئنت إليه النفس و الأثم ما حاك في صدرك و كرهت أن يطلع عليه الناس".
بهذا الوازع، يا ترى هل ستبقى صفحاتنا الفيس بوكيه كما هي؟
هل ستبقى صفحاتنا أصلاً؟
هل النقاش "حنبلي"زيادة عن اللزوم أم هو في محله؟
أسئلة تعرض لي كلما فتحت ذلك المسمَّى: "فيس بوك"

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …