من الوسائل المهمَّة المعينة على حفظ الإيمان كثرة المطالعة في أحوال القبور والآخرة، والاطلاع على أهوال يوم القيامة؛ من الحشر والنشر والبعث والعرض والحساب والصراط والميزان والشفاعة والجنة والنار، وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية بالآيات البيّنات والأحاديث الصَّحيحة التي تقرّب مشاهد يوم القيامة من العقول والقلوب، ومن الكتب التي عُنيت بهذه الوسيلة التربوية في تهذيب النفوس من خلالها خُلقَي الخوف والرَّجاء اللذين يولّدان الإنابة الخالصة والعمل الصَّالح .. إنّه كتاب (التوهم) للإمام الحارث بن أسد المحاسبي.
مع الكتاب:
يخاطب الإمام أبو عبد الله الحارث كتابه (التوهم) القارئ بقوله : (فما ظنك) باللفظ المفرد، ليزيده قرباً من متابعة مشاهد اليوم الآخر، ويستشعر مقامه هناك، ليستنهض همَّته للعمل في هذه الدنيا الفانية، ويستعد الاستعداد الكامل كأنه مفارق غداً ..
يقول الحارث المحاسبي في مقدمة كتابه: (فعجبتُ كيف تقرُّ عينك، أو كيف يزايل الوجل والإشفاق قلبك، وقد عصيتَ ربَّك واستوجبتَ بعصيانك غضبه وعقابه ، والموت لا محالة نازلٌ بك، بكربه وغصصه ونزعه وسكراته، فكأنك قد نزل بك وشيكاً سريعاً، فتوهَّم نفسك وقد صُرعتَ للموت صرعةً لا تقوم منها إلاَّ إلى الحشر إلى ربِّك، فتوهَّم نفسك في نزع الموت وكربه وغصصه وسكراته وغمه وقلقه...).
وفي خاتمة الكتاب يقول: (فكن إلى ربِّك مشتاقاً وإليه متحبّباً، ولما حال بينك وبينه قاطعاً وعنه معرضاً، وابتهل في الطلب إلى الله بفضله وإحسانه أن لا يقطع بك عنهم. وبالله التوفيق وإليه المصير، والجنّة مثوى المؤمنين، وثواب المتقين، وسرور المحزونين، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليّ العظيم).
الكتاب صغير الحجم، لا تتعدّى عددُ صفحاته الثلاثين من القطع المتوسط، وهو مطبوع متداول ومحقق، فلا تترك الكتاب يضيع بين يديك، والزم قراءته ففيه نفع وخير كثير.
مع المؤلف:
هو الحارث بن أسد المحاسبي البغدادي، سمِّي (المحاسبي) لأنَّه كان يحاسب نفسه.
ولد سنة 170 هـ، وهو من أَهل البصرة عاش في بغداد، وكان عالماً بالأصول والمعاملات، يقول عنه أبو عبد الرحمن السلمي: إنَّه (أستاذ أكثر البغداديين). وقال ابنُ الصَّلاح: (كان إمام المسلمين في الفقه والتصوف والحديث والكلام).
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: (الزَّاهد العارف شيخ الصوفية أبو عبد الله الحارث بن أسد البغدادي المحاسبي صاحب التصانيف الزهدية).
وقال ابن حجر في (لسان الميزان): الزاهد المشهور، قال الجنيد: قال لي الحارث: كم تقول: عزلتي أنسي! لو أنَّ نصف الخلق تقرّبوا منّي ما وجدت لهم أنساً، ولو أن النصف الآخر نأوا عني ما استوحشت.
من أشهر كتبه: ((الرعاية لحقوق الله))، و((رسالة المسترشدين))،و((آداب النفوس))، و((شرح المعرفة وبذل النصيحة)).
من أقواله المأثورة :
- من صحَّح باطنه بالمراقبة والإخلاص، زيَّن الله ظاهره بالمجاهدة واتّباع السنة.
- خيار هذه الأُمَّةِ الذين لا تشغُلهم آخِرتهم عن دنيا هم؛ ولا دنياهم عن آخِرتِهم.
- جوهر الإنسان الفضل وجوهر العقل التوفيق.
وفاته:
توفي رحمه الله في بغداد سنة 243هـ .
من مراجع ترجمته :
- سير أعلام النبلاء للذهبي.
- طبقات الصوفية لعبد الرّحمن السلمي.
- صفوة الصفوة لابن الجوزي.