الإنسان وقت ولادته وهو طفل يتخلص من شيئين؛ الشيء الأول يتخلص من أسوار رحم أمه، والثاني يتخلص من قيد الحبل السري، فكأنَّه بذلك تحرَّر مادياً إيذاناً بتحرَّر معنوي بعد ذلك، كذلك الثورات العربية عامة والثورة المصرية خاصة فتحت الباب أمام الدعاة لممارسة الدَّعوة إلى الله عز ّوجل، والانفتاح على المجتمع الذي كثيراً ما كانت تحرمهم منه الأنظمة المستبدة.
ولكن مع هذا الانفتاح على المجتمع ظهرت إيجابيات وسلبيات على السَّاحة، وبدأ يتناول الإعلام الغث منها ويترك الثمين، لذلك كان لنا هذا الحوار مع الدكتور محمَّد طه وهدان مسؤول التربية بجماعة الإخوان المسلمين بمصر، ليحدثنا عن أثر الثورة على الدَّعوة وسلبيات وإيجابيات الانفتاح على المجتمع وتعامل الدعاة مع ما يردّده الإعلام وقضايا أخرى كثيرة.. فإلى نصّ الحوار:
بصائر: من المؤكد أنَّ الثورة المصرية أعطت للإخوان وللدَّعوة مساحة أكبر في التواصل مع المجتمع.. فما هو الأثر الذي عاد على على الدَّعوة من الثورة؟
وهدان: لا شك أنَّ أيَّ مساحة من مساحات الحرية تؤثر إيجاباً بصورة واضحة على سير الدَّعوة إلى الله، ولذلك كان رجاء النبيّ صلَّى الله عليه وسلّم من الناس أن يسمعوا له ويسمحوا له بالتواصل بينه وبين الناس، وهو يقول: ((خلوا بيني وبين الناس))؛ يريد أن يوصل الدَّعوة أولاً إلى النَّاس وقبل أيّ شيء.
لا شك أنَّ أيَّ مساحة من مساحات الحرية تؤثر إيجاباً بصورة واضحة على سير الدَّعوة إلى الله،
الإمام البنا يقول لإخوانه : "إذا قيل لكم إلى ما تدعون؟ قولوا: ندعو إلى الإسلام الذي دعا له محمَّد صلى الله عليه وسلم"، والحرية فريضة من فرائضه والحكومة جزء منه، وليس غريباً أن يقول سيّدنا عمر رضي الله عنه : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، وفي هذا دلالة لطيفة جدّاً في أنَّ الإنسان وقت يولد وهو طفل يتخلص من شيئين، الشيء الأول يتخلص من أسوار رحم أمه، والثاني يتخلص من قيد الحبل السري، فكأنَّه بذلك تحرَّر مادياً إيذاناً بتحرّر معنوي بعد ذلك.
حتى في الاعتقاد يقول الله سبحانه وتعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" ولذلك فإنَّ أيَّ مساحة للحركة يُسمح بها للدَّعوة في أيِّ مكان ما يكون لها دور وأثر فعال كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عاد من الحديبية وبدأ يتحرك بين القبائل، ولذلك سماها ربنا "فَتْحاً مُبِيناً"، فأنا أرى أنَّ ثورات الربيع العربي إن شاء الله ستكون فَتْحاً مُبِيناً على دعوة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
بصائر: كيف ترى انفتاح الإخوان على المجتمع بعد الثورة ؟
وهدان : لا شك أنَّ حالة الانفتاح هذه بحاجة إلى تعميق معاني الصلة بالله، فالله يقول في سورة الحج "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" ولذلك ترى أنَّ بمجرد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حيث مساحة الحركة الواسعة كان أول ما فعل صلَّى الله عليه وسلّم إقامة المسجد ويقول لصحابته : "أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام"، هذه المعاني في ظل الانفتاح الواسع في حاجة إلى تعميق الصلة بالله ولا ننسى دعاء يوسف الصّديق عليه السَّلام يوم أن مكَّن الله له في الأرض وجمع له اخوته " رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ".
فالبداية الصَّحيحة يجب أن تكون من المسجد وإعمار المسجد يقول الإمام الحسن البصري "من اعتاد المساجد رزقه الله بترك المعاصي إمَّا خشية وإما حياء" ويقول الشيخ الغزالي: "كيف يقيم دولة من لا يقيم صلاة الفجر" فنحن بحاجة إلى أن نجعل منطلقنا من بيت الله، كما كان صلَّى الله عليه وسلَّم يفعل في خروجه من المدينة وفي عودته إليها.
يقول الشيخ الغزالي: "كيف يقيم دولة من لا يقيم صلاة الفجر" فنحن بحاجة إلى أن نجعل منطلقنا من بيت الله،
بصائر: كيف يتعامل الدُّعاة في الوقت الحالي مع المجتمع في الردِّ على ما يردِّده الإعلام من اتهامات للإسلاميين؟
وهدان: أحيلك إلى ما قاله الأستاذ شريف العبد في جريدة الأهرام وهو يتكلّم عن حالة السعار الإعلامي هذه، فيقول الرجل ولعلي أنقل لك ما قاله، أنَّ هذا الهلع والفزع من الإخوان، مرده إلى شعبية الإخوان الحقيقية، وليست الكاذبة، ويقول الأستاذ مصطفى أمين رحمه الله بعد أن رأى ملصقات الإخوان في القرى والنجوع: إنَّ جماعة قادرة على أن تصل بكلمتها إلى قلب المجتمع لهي جماعة جديرة بأن تقود الأمة، فإذا علمت ما قاله هذان الرجلان تعلم لماذا حالة السعار الإعلامي التي توجه للإخوان الآن.
ولذلك نؤكّد على قول الله سبحانه وتعالى : {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} ، سنظل ندعو بالتي هي أحسن فلن نبادل أحداً سباباً بسباب ولا اتهاماً باتهام، ولكنا نقول لهم أيدينا ممدودة وصدورنا مفتوحة وإن عصيتم الله فينا فلن نعصي الله فيكم، ونوضح لهم ما التبس عليهم من أمر، فإن قبلوا فهذا ما نرجوه وإن لجو في جدالهم فسنظل ندفع بالتي هي أحسن ونقول "رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ".
بصائر: أُثقل الكثير من قيادات الدَّعوة بالعديد من الأدوار الإدارية سواء داخل الجماعة أو داخل الحزب، كيف يمكن الاستفادة من هذه الأدوار دون التأثير على العمل الدَّعوي؟
وهدان: ليس لدى الإخوان انفصال بين العمل الإداري والعمل السياسي والعمل الحزبي والعمل الدَّعوي، فكل عمل إذا صحت فيه النية فهو عبادة، ولذلك ليس هناك انفصال بين الصَّلاة في المسجد وبين الإصلاح بين الناس، أو بين السعي في قضاء حوائجهم أو بين العبادات التي يؤديها الفرد.
وأقول: إذا صحَّت النية في كلِّ هذه الأعمال فهي عبادة لله سبحانه وتعالى، ولذلك المطلوب فقط هو تصحيح المفاهيم وانطلاق كل عمل من نية صالحة لله عزّ وجل ومن منطلق قول الله تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربِّه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً"
بصائر: ظهرت بعد الثورة اختلافات في الرأي بين بعض شباب الإخوان والجماعة أدَّت إلى خروج بعض هؤلاء الشباب من الجماعة، فكيف يمكن تفادي هذا الخلاف والاستفادة منه؟
وهدان: أولاً الإخوان المسلمون كمدرسة فكرية وكهيئة إسلامية جامعة تربطها معاني الأخوة والثقة والطاعة بمعنى هذا السياج النبوي الرائع من معاني الأخوة والحب في الله وأنها أوثق عرى الإيمان ومعاني الطاعة في غير معصية لله ومعاني الثقة المتبادلة بين القيادة والجنود. لا شك أنَّها عاصم بفضل الله من الذلل إن كانت هناك بعض الحالات التي لا تخلو منها جماعة ولا يخلو منها زمان؛ فهي ظاهرة صحية في مجملها لنرى الحسن حسناً ونرى غير الحسن غير حسن، ولذلك أقول: التذكير والتأكيد على هذه المعاني يعصم إن شاء الله من أي زلل.
بصائر: المشهد السياسي أصبح مملوءاً بالمتغيَّرات اليومية حتى إنَّ الكثير من الشباب انشغلوا في البحث عن الجديد على السَّاحة السياسية وانشغلوا عن أورادهم ودعوتهم.. ماذا تقول لهم؟
وهدان: أقول لنفسي ولهم قيمتنا وقامتنا في كتاب ربنا: "لقد أنزلنا إليكم كتاب فيه ذكركم" فمن أراد الذكر -والذكر هنا المجد والشرف والكرم- فعليه بالقرآن علماً وعملاً وتلاوةً وجهاداً في سبيله، فنحن بالقرآن وبسنة الرسول صلَّى الله عليه وسلّم، وبالعمل بهما شيء، وبغير ذلك لا شيء، فلا ينبغي أن تشغلنا الأحداث عن الرِّسالة التي من أجلها خلقنا.
داخل الإخوان ليس هناك زعزعة وليس هناك شقاق قد يكون هناك استفسار واستيضاح عن بعض المواقف سرعان ما تتضح الرؤية وتتحول إلى قوة دافعة للعمل
بصائر: هل أثرت الحياة السياسية الجديدة على مبدأ "الطاعة" داخل صفوف الإخوان ؟ وهل أدَّى ذلك إلى زعزعة قوَّة الجماعة وتوحّدها المعروف؟
وهدان: الواقع كما نقرأه، وكما نراه داخل الإخوان ليس هناك زعزعة وليس هناك شقاق قد يكون هناك استفسار واستيضاح عن بعض المواقف سرعان ما تتضح الرؤية وتتحول إلى قوة دافعة للعمل والالتفاف حول الجماعة، ولعل ما نراه الآن في المؤتمرات الحاشدة لمرشح الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي من التفاف الشباب والشابات وتفانيهم في العمل، لعلَّ ذلك أبلغ ردٍّ على هذا الأمر.
بصائر: المشهد السياسي الآن ينبئ بفوز أحد المرشحين الإسلاميين لرئاسة مصر.. ما هي القيمة التي تعود على الدَّعوة من وجود رئيس للدولة ذي توجّه إسلامي؟
وهدان: أيّ اختيار للشعب المصري سنحترمه ونقدّره ونعمل معه، وأقول أي مساحة للحرية في مصر ستكون ذات أثر إيجابي على الدَّعوة بأشكالها المختلفة، والمهم أن نسعى لرضاء الله سبحانه وتعالى في كلِّ الأحوال ليس مهما أن يأتي س أو ص رئيساً المهم أن يكون البرنامج الذي يتبناه يتيح الحرية لكلِّ أفراد الشعب في أن يعبّروا ويتحرّكوا بحرية كاملة في ظل ضوابط وأطر وأخلاقيات المجتمع المصري.