تخيَّروا لأولادكم مدارسهم

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » تخيَّروا لأولادكم مدارسهم
alt

بعد عودة والدي من غربة الدراسة، وخلال بحثه المضني عن مدرسة لأولاده و بعد استشارة الأقارب و الأصدقاء نصحه الجميع بتسجيلنا في مدرسة إنجليزية أو مدرسة تركز على تعليم اللغة بغض النظر عن توجهاتها ورسالتها العلمية والأخلاقية وكأنهم يقولون: إن فاتك الانجليزي فقد فاتك الخير، إلاَّ أنَّ والدي جزاه الله عنّا كلَّ خير كان يريد أن يتاجر بنا و يستثمرنا في مشروع يكفل له علمنا و أخلاقنا و برنا و شخصياتنا، فوقع اختياره لاسم و مضمون على مسمّى لأول مدرسة نبوية هي دار الأرقم، و كانت ما زالت في سنة افتتاحها الثانية، استودعنا في عهدة معلّمات و معلّمين فتحوا لنا مغاليق من أنوار العلم و الفهم و السلوك و الثقافة.

أمَّا اللغة الانجليزية فلم تكن في مقدّمة الأولويات، فكان أن أكرمني الله و إخوتي و كثير ممَّن زاملونا بإتقان اللغة الانجليزية كتابة و محادثة كأهلها، و لكن بشخصية من نسيج العروبة والإسلام تستقي من الآخر دون الذوبان فيه و صدق سبحانه:" و من يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب."

كان أباؤنا يثقون بمدرسينا ولا يفتحون آذانهم لشكوانا المستمرة  إن لم نلق في المدرسة نفس الدَّلال و العناية التي نطالب بها في البيت، كنا نشتكي فيعود آباؤنا باللوم علينا وإن لو لم نرتكب الخطأ لما عوقبنا، وبالمقابل كان مدرسونا أهلاً للثقة يحرصون علينا ويتواصلون معنا حتى بعد خروجنا من قاعة الدَّرس وأسوار المدرسة، قدوة كانوا لنا إن قالوا لنا اعملوا معرضاً كانوا أول العاملين فيه، أو ادرسوا كانوا أكثر المشجعين والمحفزين لنا.
مع قرب انتهاء العام الدراسي يبدأ الاهل بمراجعات لأوضاع أولادهم: هل نعيد التسجيل في المدرسة؟أم نغيرها؟ والقرار يجب أن يكون مبنياً على مبدأ واضح!! 

 وما أظن الوضع تغيّر يعد عشرين عاماً من تجربة والدي، فقد عايشت مع ابنتي فاطمة التجربة نفسها، والدي وتلقيت مثلما تلقى من النصائح ودخلت في الدوامة التي يدخلها الأهل مع بدء تفتح إدراك الأبناء في البحث عن المحاضن التي تؤمن لهم أفضل التعليم والخبرات والترفيه والبيئة الاجتماعية والنوادي الصيفية وغيرها من المناشط التي يرجو الأهل أن تزوّد أبناءهم بعقل سليم لجسم سليم، وفي غمرة هذا الحرص والتركيز على اللغة الانجليزية ينسى بعض الأهل أهم المدارس التي تحفظ لأبنائهم أرواحهم و قلوبهم، و تعمّر دنياهم و دينهم؛ ألا و هي مدرسة القرآن الكريم التي ربّى فيها الرسول صلى الله عليه وسلّم صحابته و خلفاءه، فكان المرء يأخذ عشر آيات لا يجاوزهن حتى يطبق ما فيهن من أحكام، فكان أن أطلق العلماء على جيلهم (جيل التلقي للتنفيذ)، ومدحهم المصطفى، فقال عنهم :  ((خير القرون قرني))، كما تربى عظماء المسلمين على مائدة القرآن ينهلون من علومه وشرائعه، فدانت لهم الدنيا بلا إله إلاَّ الله، فأخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة.

هذه هي مدرسة القرآن متلبسة بالبركة كيفما نظرنا لها، هي بركة للأهل الذين يأخذون أولادهم بالقرآن؛ إذ يلبسهم الله تاج الوقار في الجنة و يكسوهم بحلة لا تقوم الدنيا مقامها، هي الأمان الوحيد لبر الوالدين، فمن تخلق بالقرآن أدرك أنَّ برَّ الوالدين والإحسان لهما معطوف على الإيمان بالله كلَّما زاد الأول زاد الآخر على إثره

هي مدرسة الخلق والتميّز ومن لا يتمنى أن يكون أولاده أعظم الناس، وكيف لا يكون صاحب القرآن أعظم النَّاس وهو "حامل راية الإسلام لا يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو، يعرف بقيامه إذ الناس نائمون، وبصيامه إذ الناس مفطرون، وبجدّه إذ الناس يهزلون".

 مدرسة القرآن باب العلوم أول القراءة فيها باسم ربك الذي خلق تتبعها " ن والقلم و ما يسطرون"  لتعلم المسلمين أنَّ القراءة والكتابة هما أول أدوات العلم والتعلم التي تفتح باب لخشية الله{إنَّما يخشى الله من عباده العلماء} مدرسة تركز على "اعملوا" بقدر تركيزها على إقامة الصَّلاة و إيتاء الزكاة.

وهي سجل التاريخ ضرب الله فيها أمثلة الأمم السَّابقة لمدكر ومعتبر، وهي مجمع فضائل الأخلاق، وكيف لا والقران "الأنيس في الوحشة، والصَّاحب في الخلوة، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، و من عمل  به أُجر، و من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم" .

هذا غيضٌ من فيض خير الدنيا، فما بالنا بعطاء الآخرة، ارتقاء في الدَّرجات كلّ آية بمنزلة، و كل سورة بدرجة حتى يجاور الحافظون عرش الرَّحمن و يتجلّى ربُّ البرية للعيان فيرونه دواماً فما اعطوا بعد هذه المنزلة شيئاً يعدلها.

كلنا يسمّي أولاده محمَّداً وأحمد وعبد الله وعبد الرحمن استبشاراً بالاسم وتيمّناً بأصحاب الأسماء فلنعي كيف كان محمَّد صلَّى الله عليه وسلّم؛ إذ وصفته السيّدة عائشة قائلة : ((كان خلقه القرآن)).
أمَّا الفاروق عمر "فقد أسلم بسورة طه، وكان أصدق من الشمس في ضحاها و أوضح من القمر إذا تلاها و أشهر من النهار إذا جلاها، تولى الخلافة فاعلاها، وقاد الأمَّة ورعاها". نصحنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه حرصاً على أبناء و بنات الأمَّة حتى قبل خلقهم فقال: ((تخيَّروا لنطفكم فإنَّ العرق دسَّاس)).

وجعل من برّ الوالدين لأبنائهم أن يحسنوا تربيتهم واختيار أسمائهم، فعلى سنة المصطفى وجب على الأهل تخير أحسن المدارس والمعلمين لأولادهم، مدارس تجمع لأولادهم علم الدنيا وفلاح الآخرة، مدارس به معلّمون مثل وكيع وطلبة كالشَّافعي الذي كان لغزارة علمه وقوَّة حافظته يقرأ الصفحة فيحفظها، كأنَّما طبعت في عقله، تلميذ شكا إلى معلّمه تغير حافظته قائلاً:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي   فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني أنَّ العلم نور         ونور الله لا يهدى لعاصي

يا أهلنا، إذا فقدنا أخلاق أولادنا وثقافتهم، فهل ينفعنا الحرص على تعلم اللغة الانجليزية؟!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …