لم تكد تستيقظ الشعوب العربية والإسلامية من نكبتها عام 1948، الذي حوى ما حوى من وعود رسمية عربية زائفة، فإذا بألمها يتجدَّد ومعاناتها تزداد، وإذ بالجيوش والشعوب العربية، تُصدم بواقع جديد يُنْكِصها على عقبيها، وهي لم تكد بعد تلملم جراحاتها الماضية.
الخامس من حزيران 1967 .. تاريخ أليم وذكرى محزنة؛ تُضاف إلى صفحات التاريخ الأسود الذي لم يقتصر فقط على فلسطين وإنما ضم ما حولها من بلدان عربية شقيقة.
على بحيرة من دم ونار، نام المشرق الإسلامي واستيقظ، ولا تزال النكسة ثارات ووعود بأن الدم لا يجف، و أن الأسى لا يُنسى، فلم يكتفوا بما فقدوه من فلسطين وسلبوه، بل زادوا آلامها أضعافًا، وازداد معها أعداد اللاجئين الفارّين من ديارهم بحثًا عن مأمن، ذكرى النكسة أعادت لمهجّري النكبة ذكرى جديدة بهجرة قسرية أخرى.
النكسة ؟
نكسة 1967 أو حرب حزيران هي الحرب التي نشبت بين الكيان الصهيوني وكلّ من مصر سورية و الأردن، انتهت بانتصار الكيان الصهيوني على الدول الثلاث، واستيلائه على قطاع غزة وسيناء في الجانب المصري، والضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى في الجانب الأردني، وهضبة الجولان القلعة الحصينة في الجانب السوري.
يتفاخر اليهود بتسميتها "حرب الأيام الستة "؛ لأنَّهم استطاعوا خلالها هزيمة الجيوش العربية واحتلال كامل فلسطين.
المنارة المفقودة !
القدس التي ضاعت واحتلت بأكملها في 1967م، هي أبرز ما ضاع في تلك الهزيمة، ولا زالت تحت الاحتلال حتى يومنا هذا، وهي التي يحرص الاحتلال على تهويدها وجعلها عاصمة للدولة اليهوديّة، بينما في نظر العرب المفاوضون لم يتم حسم أمرها لتكون رهينة التأجيل المستمر!
القدس ليست فلسطينيّة فقط بل إسلاميّة، وهذا يعني أنّها حق كل مسلم ومسلمة، وضياعها هو ضياع الهوية الإسلامية، وهذا يعني أن مسئولية تحريرها والذود عنها مسئوليّة كل مسلم صغر أو كبر، مهما تباعد عنها جغرافيًا، فإذا كان الباطل يتكاتف لتثبيت الدولة الأسطورة؛ أليس الأجدر بالمسلمين التكاتف لاسترداد المدينة التي باركها الله واعتنى بها خلفاء المسلمين على مر الأزمان؟!
حين نتحدث عن النكسة، فإننا نذكر القدس ونذكِّر كلّ همَّة صادقة أنّه قد آن الأوان لتفيق من غفلتها ولنعمل معًا حتى بلوغ القدس، يجمعنا الهمّ الواحد وتوحدنا القدس ولا يفرّقنا الدّين أو اللغة أو الاتجاه أو الأصل!
بعد النكسة ..
أدركت الشعوب السبب، واستوعبت دروس الهزيمة المتكررة مراراً، فلجأت لله عزّ وجل دون غيره ناصراً ومعيناً، وبهذا تبدلت الأحوال، وأصبحنا نرى بأعيننا ما بدا كحلم عام 67، فكانت معركة الكرامة ثم حرب العاشر من رمضان73، وعمّت النهضة الإسلامية سائر الشعوب العربية حين علمت أنَّ الشعارات التي رفعت لم تكن إلاَّ ذرّا للرَّماد في العيون، وبزغ نور فجر الانتصار في انتفاضة أطفال الحجارة التي أعادت العزّة للمسلمين، وأثبتت للعالم أجمع أنه في كل ذكرى للهزائم المتوالية يزداد إصرار الشعوب على تحقيق النصر المنشود.
قانون النصر ..
إنَّه من الغريب أن تتمكَّن قوات الاحتلال الصهيوني من هزيمة ثلاثة جيوش عربية خلال ستة أيام، ولا يتمكن نفس الجيش بعد أن طوّر قدراته وازدادت خبراته وتملك أنواع التكنولوجيا المختلفة من هزيمة بضعة آلاف - على أعلى تقدير - محاصرين بإحكام في قطاع غزة بعد حوالي أربعين عاما في أحدث انتصار على الكيان الغاصب، فما الذي اختلف؟
ليس إلاَّ أنَّ منهج هذه القلة في المواجهة مع العدو الصهيوني مختلف عن تلك الآلاف المؤلفة التي هزمت شر هزيمة، فلا السلاح أكثر ولا الظروف أفضل ولكنه شيء وقر في القلب.
إنَّ التمسك بأسباب النصر التي بينها الله لنا في محكم كتابه هو الذي أكسب الأمة هذا النصر العظيم في حرب الفرقان، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)، فهذا وعد من الله الذي لا يخلف وعده بالنصر إن نصر المؤمنون الله في أنفسهم وأموالهم وشؤون حياتهم جميعا.
إنَّه يجب أن يعلم من يقع في المخالفات أنه ثقلٌ في موازين الأعداء، خصمٌ على أمته، وليعلم من يعرض عن الطاعات أنه يحدث في جسد الأمة –وهو منها- جراحات غائرة تزيدها إثخاناً وضعفاً، وليعلم من يتغافل عن نصح غيره ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يطيل على الأمَّة ما هي فيه من الكربات.
إنَّ كلَّ واحد منّا مدعوٌّ لأن يزن نفسه، ليعرف هل هو خصم لهذه الأمَّة ؟ هل هو ثقل في ميزان أعدائها ؟ هل هو سبب في إطالة ليلها بما اقترفت يداه ؟ فما أشقى من شقيت به الأمَّة وما أسعد من سعدت به الأمَّة، أسأل الله أن يجعلني وإيَّاكم منهم.
{youtube}aqLv1OrDt2U{/youtube}
{youtube}QCFh6epbvnk{/youtube}