"كوني جاهزة على الفور عندما تدخلين غرفة النوم، و بينما النظافة النسائية شيء مهم إلاَّ أنَّ زوجك لا يجب أن ينتظر دوره للدخول إلى الحمام، كما ينتظر الدور لركوب القطار، و مع هذا احرصي أن تكوني متألقة و بأفضل صورة، و إذا كنت بحاجة لوضع الكريمات على وجهك أو لفائف الشعر فلا تفعلي ذلك حتى ينام زوجك، لأنَّ هذا المنظر قد يكون مرعبا في آخر الليل، و يجب عليك في حال أراد زوجك ممارسة العلاقة الزوجية أن تتذكري عهودك الزوجية التي قطعتيها على نفسك عند الزواج و أن تلتزمي بطاعته، و إذا كان زوجك يريد أن ينام بعدها فوراً فليفعل و لا تضغطي عليه لمزيد من الحميمية و اعلمي أنَّ رغبات الرجل أهم من رغبات المرأة، و لا تنسي شكره و لو بتنهيدة مصطنعة على إرضائك، و بعدما ينام زوجك يمكنك أن تتابعي الاعتناء بنفسك، و احرصي أن تضعي المنبه لتستيقظي قبله صباحاً ليكون الفطور و الشاي جاهزين عند استيقاظه"
من السهل في عالم الصور النمطية الذي يصور العرب و المسلمون كأناس من القرون الوسطى إلصاق هذا النص المقتبس بهم باعتبارهم كائنات بدائية تعامل المرأة كالجارية التي وجدت لخدمة الرجل و إبهاجه، و بالرغم من تعاقب الزمان و اتصال الغرب بالشرق في ظل القرية الكونية إلاَّ أنَّ الصورة التي صنعها المستشرقون عن العرب كبهائم متناسلة في الصَّحراء تقضي حياتها ركضاً وراء شهوات البطن و الفرج ما زالت سائدة و متداولة، أمَّا صورة النساء فكانت محصورة في أجسام شبقة محبوسة وراء جدران الحرملك ملفوفة بالحرير، منقوعة بالورد و البخور تنتظر يوماً أو ليلة أو ساعة فرج أو إشارة من سيد البيت.
و لم يقتصر التضليل على الغرب، فقد ركب بعض العرب موجتهم و مالوا مع رياحهم، وردَّدوا نفس أسطوانتهم المشروخة عن طغيان المجتمعات الذكورية العربية، و استضعاف و مهانة نساء العرب، فها هو نزار قباني يدس السم في الدسم، و ينظم الباطل بثوب الحق و النصح و الحرص، فيقول في إحدى قصائده:
قضينا العمر في المخدع
و جيش حريمنا معنا
و صك زواجنا معنا
و صك طلاقنا معنا
ليالينا موزعة
هنا شفة
هنا ساق
هنا ظفر
هنا إصبع
تمتعنا بما ملكت أيماننا
و عشنا من غرائزنا بمستنقع
و لم نذكر سوى المضجع
أمَّا المفاجأة الكبيرة فهي أنَّ الاقتباس الأوَّل مترجم من كتاب مدرسي عن الثقافة الجنسية دُرس في بريطانيا في الستينات، و بريطانيا و غيرها من الدول الغربية ينظرون إلينا شزرا و ينتقدون حياتنا الأسرية و حقوق المرأة عندنا، و يفصلون المعاهدات و الاتفاقيات على مقاسهم لمعالجة أخطائهم و خطاياهم، ثمَّ يحاولون إلباسها لنا قصراً و إن كانت لا تناسبنا شكلاً و لا مضمونا.
المرأة عندهم إذن كانت أداة بيد الرَّجل يفعل بها ما يشاء فلا حقوق زوجية و لا مالية و لا ميراث و لا طلاق عندما تستحيل الحياة و لا حقوق مواطنة، و لذا كانوا بحاجة إلى التحرَّر و حتى الثورة على الدين الذي ساهم في حرمانهن من أبسط الحقوق الإنسانية، فالمرأة الغربية عانت من ظلم و تهميش الكنيسة لها و كان القديس بولس يقول: "ليصمت نساؤكم في المعابد لأنَّهن ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس". من يظلم المرأة أو يضربها أو ينتقص من حقوقها هو الملوم الأول في الانتقاص من الشريعة والتحوّل عنها، فالعالم يحكم على الإسلام بتصرّفات المسلمين و لا يفصل بينهما، والدين كامل، ولكن للأسف السفراء لا يحسنون تمثيله.
و بالرغم من الإنجاز الظاهري للمرأة في الغرب إلاَّ أنهن ما زلن يعاملن كسلعة تستخدم في الترويج لكلِّ شيء و في الإسقاط اللأخلاقي.
وبمقابل تلك النصيحة المدرسية للمرأة الغربية التي تميل ميلاً واضحاً لمصلحة الرَّجل دون أي اعتبار للمرأة نجد نصيحة أكثر توازنا قدمتها امرأة أعرابية هي أمامة بنت الحارث المعروفة بالفصاحة و سداد الرأي لابنتها ليلة زفافها فيها من ألوان الحكمة و فن التعامل و فهم الفطرة البشرية قالت فيها: "لو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبيها لكنت أغنى الناس عنه، و لكن النساء للرجال خُلقن و لهن خُلق الرجال" فالمرأة في وصيتها طرف مهم، و هي تنصحها بصحبة زوجها بالقناعة، و مفهوم الصحبة له ظلال من الألفة و حسن العشرة و مراعاة المشاعر و الديمومة مفقودة تماما في الوصية المدرسية حتى في النص الانجليزي الذي يبدو كلائحة من الأوامر تقول افعلي و لا تفعلي.
وقد يتحسَّس البعض من اختيار الألفاظ في قول الأعرابية: "كوني له أمة يكن لك عبداً" و يغفل عن مضمون المساواة المتحقق في المعاملة بالمثل، و مجازاة الإحسان بالإحسان من الرجل للمرأة و من المرأة للرجل.
وأفضل منها ما جاء في حسن المعشر و آداب الفراش في الإسلام الذي يسمو بالعلاقة الزوجية فوق حدود الجسد ليتحصل بها سكينة الروح و طمأنينة القلب و خمود نار الشهوة، و قد نبَّه رسول الله صلى الله عليه و سلم صراحة على المودة و الرحمة في العلاقة الزوجية فجاء في الحديث : (( لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، و ليكن بينهما رسول، قيل: و ما الرسول؟، قال: القبلة و الكلام)).
و كلما ترفق الزوج و تجمل كان ذلك أليق بالمقام و أطيب للنفس و أوفى للأجر فقد جاء في الحديث" اغسلوا ثيابكم و خذوا من شعوركم و استاكوا و تزينوا و تنظفوا فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك قزنت نساؤهم" و قال ابنُ عبَّاس : " إني أحبُّ أن أتزيّن لامرأتي كما تتزين لي" ، كما و جعل الإسلام إحسان الزَّوج إلى زوجته في هذا الموضع تحديداً إحسان إلى ذات نفسه، فقال تعالى : {و قدّموا لأنفسكم}، فأصبحت نفس الزوج و الزوجة نفساً واحدة متآلفة مؤتلفة، وجعل كذلك للمرأة نصيباً من هذه العلاقة كما للرجل، فنهى الرجال أن يتعجلوا حتى تقضي الزوجة خاطرها، فالعلاقة الزوجية إحصان و إعفاف للطرفين لا للرجل دون المرأة، و فتح الإسلام باب الحلال أمام الزوجين لما يجد من طرق و وسائل و فنون و ضيق باب الحرام في الإتيان في الدبر و أثناء الحيض، و لا يجوز للزوجة أن تطيع زوجها في الممارسات الشاذة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ونهض الإسلام بالحياة الزوجية بشكل متكامل، و لم يجعلها مقصورة على الفراش، فجاء في الحديث : أنَّ ((الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله إليهما نظرة رحمة، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما)) ، و ندب الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام بفعله إلى مساعدة الأهل في البيت؛ حيث كان صلى الله عليه و سلم يبقى في خدمة أهله الى أن تحضر الصلاة، و أوصى بالصَّبر على النساء واحتمال غضبهن و مداراته بالحسنى فكان إذا غضبت زوجته وضع يده على كتفها و دعا (( اللهم اغفر ذنبها، و أذهب غيظ قلبها، و أعذها من الفتن)).
لقد سمت الشريعة بمعاملة المرأة إلى آفاق الكمال و الإحسان، و قد صدق الكاتب هادي المدرسي، إذ قال :" لا يمكن أن يخلق الله الرجال في أرحام النساء، ثم يجعل لهن كرامة دون كرامتهم"، و لكننا مع هذا نجد الطلاق و العنف الأسري و الظلم في ازدياد مطرد في مجتمعاتنا العربية و الاسلامية فيأتينا سوط من الخارج يحاول أن يسيرنا كالقطيع في طريق لا تستقيم عليه خطواتنا " .
إنَّ من يظلم المرأة أو يضربها أو ينتقص من حقوقها هو الملوم الأول في الانتقاص من الشريعة والتحوّل عنها، فالعالم يحكم على الإسلام بتصرّفات المسلمين و لا يفصل بينهما، والدين كامل، ولكن للأسف السفراء لا يحسنون تمثيله.
{youtube}sHTPdBzoJKU{/youtube}