إن سؤلت أم عن أغلى ما تملك ؟
فبالتأكيد ستجيب أنَّ أغلى ما تملكه هم أبناؤها.. ولكن لا تدرك جميع الأمهات بأنَّ هذه الإجابة تحمل مسؤولية كبيرة ...فحب الأبناء لا يكون بالمال أو الدلال، بل هو بجعلهم يعيشون الحياة الحقيقية؛ ألا وهي الحياة لله..بجعلهم يعيشون كجزء لا يتجزأ من أمتهم من وطنهم من عائلتهم...حب أمهم لهم لا بد أي يكون بتربيتهم لا كأجساد تأكل الطعام أو تسعى للمال، بل بتربيتهم كأرواح تعيش لله وأجساد تبذل لله...
هذا ما أدركته الأم المؤمنة الصابرة أديبة رزق..
إن أردت أن تعرف من هي؛ هي أم الأبطال الاستشهاديين الثلاثة بسام وياسر ويوسف رزق من مخيم الشابورة بمدينة رفح، وبلدها الأصلي الفالوجة بفلسطين المحتلة.
لم تكن تربيتها لأبنائها تربية عادية، فقد كانت أمّاً ومربية مؤمنة صادقة ربتهم على ثلاثة أسس لابد لكل أم أن تربي أبنائها عليها ربتهم أولا على حب المسجد والتعلق به فكانو ثلاثتهم من أبرز رواد مسجد الهدى في البداية، ثمَّ مسجد الفاروق بالمخيم، جعلتهم يترعرعون لا على مائدة الطعام والشراب وملاهي الدنيا الزائلة، بل ترعرعوا على مائدة القرآن الكريم الذي اتخذوه نهجاً لحياتهم فتعلموه ودرسوه وحفظوه وعملوا به.
ربتهم على الصَّلاة في المسجد فكانوا محافظين عليها منذ نعومة أظفارهم يجعلون منها زادا لأرواحم وانطلاقهم.
التعلق بالمسجد، العيش بالقرآن والتزود بالصَّلاة بهذه الأسس الثلاثة، كان كل واحد منهم نموذجاً ومثالاً للشاب المسلم الذي حمل الأمانة وشرع في تبليغ الرسالة.
رأت أبناءها أمامها يكبرون..ويتميَّزون جعلت منهم جميعا قدوات لكل من حولهم وجعلت منهم بحسن تربيتها أداة لنصرة هذا الدين ودرعاً لحماية الوطن..كانت تحبهم كما تحب كل أم ابنها، كانوا لها قرَّة العين بارّين محبّين، ولكنَّها كما ربتهم على حب الله والتضحية كانت في داخلها أكبر مثال على ذلك، كانت كالجبل في صبرها وصمودها، كانت أمّاً مجاهدة أنجبت أبطالاً مجاهدين، فعندما فقدت ثلاثة من أعز أبنائها على قلبها في وقت واحد قالت :(( الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأسأل الله أن يجمعني معهم في الجنة،وأحتسبهم عند الله شهداء خالصين لوجهه الكريم)).
نعم.. لم تصرخ ولم تجزع مع أنَّ مصابها عظيم، بل وقفت شامخة توزع الحلوى على من جاء يواسيها في مصابها وأخدت تهدئ من روع من حولها وتطلب منهم الدُّعاء والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن شكرا لله، وتأمرهم بالكف عن البكاء وقالت وهي تنظرإلى صورهم كلمات تعلم بها كل أم رسالتها كمربية لجيل إسلامي يحمل رسالة ودعوة إلى الله فقالت: " أبنائي هم من حملوا في قلوبهم هم الأمة والوطن، وجاهدوا من أجل كرامة وشرف أمتهم " .
أديبة رزق هي أم ككل أم، تفخر بابنها لنيله النجاح تفرح لفرحه وتحزن لحزنه، صحيح أنها أحبتهم حبّاً جمّاً، ولكن تضحيتها في سبيل الله ورسوخ العقيدة في داخلها جعلها تقدمهم في سبيل الله منذ نعومة أظفارهم فأحسنت تربيتهم لله وكان فخرها الأكبر لا بشهادة الدنيا، بل بشهادة الآخرة؛ فكانت تقول:" كنت أشعر بالفخر، لأنَّ الله منحني أبناء كهؤلاء، وكنت أعلم أنَّ من عمل على رفع دينه، ومن سلك مثل هذا الطريق ومن يملك مثل هذه الصفات وجاهد صادقا مخلصا من أجل وطنه وإعلاء كلمة لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله سيعمل الصهاينة على اغتياله.. فأبنائي جميعهم مشاريع شهادة وأنا فخورة باستشهادهم" ..
أديبة رزق ..
أم صنعت أفراداً بأمَّة ، أم ضربت لكلِّ أم مثال التضحية في سبيل الله وإعلاء كلمته،
أم كانت بأمة بصبرها وثباتها.
أم أبت إلاَّ أن تضيء بكتائب العزّ درب الجهاد بأجمل الألوان..سطرت بصمودها أمجاداً ستذكر في الدنيا.. وعطرت سيرتها بالعود والريحان ونسجت من دمائهم حروفها ومتونها حتى غدت لحناً على كلِّ لسان ..
المراجع:
نساء خالدات على أرض الرباط - أ.أحمد جابر