د. عبده: القدوة العملية والرقابة الذاتية سبيل للحفاظ على سلوك الأبناء

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » د. عبده: القدوة العملية والرقابة الذاتية سبيل للحفاظ على سلوك الأبناء
alt

مع ما حملت التكنولوجيا معها من خير وسهولة تواصل بين الأفراد، إلاَّ أنَّ الكثير من البيوت لم تكن مهيَّئة للتعامل السليم مع دخول هذه التقنيات إليها، وبات معيار الأبوة الحانية أن يمنح الوالد ابنه جوالاً أو جهاز حاسوب بغض النظر عن عمره وطريقة استخدامه له، أو مع من سيتواصل به.

هل الحل في رفض هذه التكنولوجيا من أساسها وتربية أبنائنا على الأسس التي تربينا عليها؟ أم التعايش مع هذه الظاهرة بما تحمل من حلو ومر؟ وما هي الطريقة المثلى في تربية الأبناء على هذا التعايش الذي فرض علينا.

ستعرفون الكثير من خلال قراءتكم لما دار في حوارنا مع الدكتور يزن عبده المستشار التربوي ومدير عام أكاديمية شارك للتدريب والتطوير والاستشارات:

بصائر: دخول التكنولوجيا الحديثة وشبكات الإنترنت أحدث الكثير من المشاكل التربوية داخل الأسر .. بداية كيف تُقيِّم هذه السلبيات؟ وهل من الممكن على الوالدين تجنبها أم أنَّ الأمر خرج عن السيطرة؟
"الحد الفاصل بين الإيجابية والسلبية بسبب دخول التكنولوجيا هو ما يُعرف ببناء الرقابة الذاتية عند الأبناء، والتي تقوم على أساس زيادة قدرة الأبناء الذاتية على تقييم القرار واختيار السلوك الصحيح الذي ينسجم مع ديننا بحرية تامة بعيدة عن الإجبار"
د. عبده: هناك العديد من الفوائد وكذلك من السلبيات بسبب دخول التكنولوجيا وشبكات الانترنت للحياة، شأنها شأن كل جديد يدخل إلى المجتمع، لكن يبقى دائماً الحد الفاصل بين الإيجابية والسلبية هو ما يُعرف ببناء الرقابة الذاتية عند الأبناء، والتي تقوم على أساس زيادة قدرة الابن والبنت الذاتية على تقييم القرار واختيار السلوك الصحيح الذي ينسجم مع ديننا بحرية تامة بعيدة عن الإجبار.

في المقابل نجد أنَّ الأسرة كلما زاد تركيزها على فرض الرقابة الخارجية من قِبل الأم والأب، فيجرّموا الأبناء بمجرَّد استخدام النت، أو ينتقدوهم، أو يمنعوهم، أو غير ذلك، نجد أنَّ هؤلاء الأبناء سيستخدمون النت بصورة سلبية أكثر من غيرهم كلما سنحت لهم الفرصة.

ومن أخطر السلبيات التي نشاهدها في الأبناء عند استخدامهم النت بشكل خاطئ هو التعلق والذي يصل أحياناً إلى حدّ الإدمان الذي يعطل الحياة ويوقف الإنتاج عندهم، ويصبح كل همهم محصوراً بالساعات التي سيقضونها أمام هذه الشاشة، إضافة لذلك فإنَّ التواصل الاجتماعي الحر أو المباشر سيصاب بالضعف بسبب التواصل الوهمي على مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيكم عن تأثيره على النمو الجسدي السليم، لأنَّ هذا الإدمان يسبِّب ضعف حركة، وبالتالي تتأثر العضلات والعظام خاصة في مراحل المراهقة بهذه الجلسات الطويلة، ولا ننسى شكل العلاقة السلبي والحالة الشعورية السلبية جرَّاء عدم الرِّضا عن الذات بسبب هذه الجلسات وبسبب ربما التأخر في الإنتاج، وكذلك بسبب بناء علاقة غير آمنة بينهم وبين والديهم جراء هذا الإدمان.

ومن الويلات التي يجرّها التعامل الخاطئ مع النت هو الانحراف في الممارسات الجنسية، والتي تهدم كل ما هو جميل في الأبناء والبنات.

بصائر: هل التكنولوجيا الحديثة والإمكانيات الهائلة في سرعة التواصل الاجتماعي، هي مجال للترفيه .. أم أنها قد تكون وسيلة تربوية وتعليمية للأبناء؟ هل من أمثلة؟

د. عبده: طبعاً هي تمثّل الجهتين، فهناك العديد من المواقع التعليمية –وأغلبها غربية- تفيد المتعلم، كما ان المناهج التعليمية يجب أن تشجع التعامل الإيجابي مع هذه التقنيات.

بصائر: كيف يمكن للآباء ممارسة الرقابة على الأبناء في استخدامهم لوسائل الاتصال والإنترنت بطريقة لا تتعدى على حرياتهم والتشكيك بتصرفاتهم، وأيضاً على تترك لهم باب الثقة مفتوحاً على مصراعيه.. ما الواجب على الآباء تجاه هذه القضية؟

د. عبده: يجب على الآباء بداية أن يقتنعوا بجدوى النقاط السَّابقة التي ذكرت، لأنَّ الرقابة الذاتية في المنع أولى من الرقابة الخارجية، فمهما قمنا به الآن من أنواع الرقابة الخارجية والتي غالباً ما تكون سلبية من وجهة نظر الأبناء، فإنها لن تجدي نفعاً، فالأبناء قادرون على التواصل مع هواتفهم أو من مقاهي النت للأسف، أو من أجهزة أصدقائهم بطريقة خاطئة إن فرض عليهم التحدي،"القدوة العملية سبيل أساس إلى الاستخدام الأمثل للنت، فلا يقبل من أب أن يستخدم النت استخداماً خاطئا، ويطلب من أبنائه عدم فعل ذلك، وكذلك عندما نستخدم النت بطريقة صحيحة فلا بأس  بأن يكون ابني بجانبي، وأكلفه ببعض المهام الايجابية على النت حتى يقتدي بي في الاستخدام الإيجابي للنت" لكن الأسلم أن نبدأ مع أبنائنا في عمر مبكر ببناء مفهوم "إنَّ الله ناظر إليَّ . إنَّ الله مطلع عليَّ" من خلال تكرار هذه العبارة بعد كل صلاة، ولا بأس أن نطلب من أبنائنا كتابة مثل هذه العبارات بخط يدهم ولصقها في غرفهم وبجانب شاشة التلفاز، وربما بجانب جهاز الحاسوب خاصتهم، بعد أن نقوم قد أوضحنا لهم معنى وإبعاد هذه الكلمات، على الآباء أن يربوا أبناءهم على الحرية، لأنَّ الطفل الحر هو المراهق الذي يرفض الانصياع إلى وساوس بعض أقرانه السلبية.

أمَّا الطفل الذي لا يعرف كيف يختار قراره ويربّى على أنَّ هناك رأياً أوحد داخل البيت هو رأي الوالدين، وليس لوجوده معنى، وليس له حرية القرار، هذا الطفل هو نفسه المراهق الذي ينساق مع مجتمع رفاقه، لأنَّه لا يعرف أن يفكر خارج الصندوق، فسيبدأ يبحث عن التقبل خارج البيت الأمر الذي يدفعه إلى ممارسة ما يمارسونه الآخرون..

كما أنَّ القدوة العملية سبيل أساس إلى الاستخدام الأمثل للنت، فلا يقبل من أب أن يستخدم النت استخداماً خاطئا، ويطلب من أبنائه عدم فعل ذلك، وكذلك عندما نستخدم النت بطريقة صحيحة فلا بأس  بأن يكون طفلي أو ابني بجانبي، وأكلفه ببعض المهام الايجابية على النت حتى يقتدي بي في الاستخدام الإيجابي الآمن للنت.

بصائر: كثيراً ما يُشتكي من أنَّ التكنولوجيا تركت فراغاً أسرياً بين الأبناء وآبائهم وعزَّزت الانعزال الأسري، هل من إستراتيجيات استثمار الانترنت والتكنولوجيا المعاصر لصالح الأسرة والأبناء والعلاقات الاجتماعية الأسرية؟
"من الجميل أن يكون هناك تواصل بين الآباء والأبناء على صفحات بضعهم البعض على الفيس بوك مثلاً، أو إرسال رسالة توجيهية على البريد الإلكتروني، أو ربما تقوم الأسرة بإنشاء صفحة خاصة لهم على "الفيس" يتواصلون معاً من خلالها ويعلقون بطريقة مهذّبة على ما يريدون من بعضهم"
د. عبده: هناك ما يسمَّى بالتواصل الأسري من خلال التعبير اللفظي أو الكتابي، وأجد وبصدق إنَّ من الجميل أن يكون هناك تواصل بين الآباء والأبناء على صفحات بضعهم البعض على الفيس بوك مثلاً، أو إرسال رسالة توجيهية على البريد الإلكتروني، أو ربما –كما رأيت عند أحد الأسر- تقوم الأسرة بإنشاء صفحة خاصة لهم على "الفيس" يتواصلون معاً من خلالها ويعلقون بطريقة مهذّبة على ما يريدون من بعضهم، وصراحة أنا في أسرتي استخدم هذه الطرق، فهناك نظام نقاط مستخدم مني ومن زوجتي ومن أبنائي لنقيّم بعضنا يومياً، ونرسل ذلك على البريد الالكتروني مع العلم أنَّ أحمد في الصف الثاني، ومنى في الصف الثالث، ووجدنا لذلك فاعلية رائعة.

بصائر: هل باتت تربية الأبناء في زماننا مسؤولية تثقل كواهل الآباء حتى أصبحوا يوكلونها لغيرهم؛ كوسائل الإعلام والانترنت والأساتذة ...؟ وكيف يمكن للوالدين تدارك هذا وتحمّل المسؤولية؟

د. عبده: عندما انسحب الآباء والأمهات من التربية، وعندما شعر الآباء والأمهات بأنَّ التربية عبء وهم وغم، عندما فقد الآباء والأمهات شعور بأنَّ التربية متعة، عندئذ تركنا الباب مفتوحاً على مصراعيه لوسائل الإعلام والتقنيات أن تغزو قلوب وعقول وسلوك أبنائنا، عندما يكوّن الأب والأم والمعلم والمعلمة علاقة غير آمنة أو ما أسميها علاقة طاردة، فبلا شك سيبدأ الانجذاب بعلاقة آمنة -بغض النظر عن مدى سلبيتها في عيون الاباء والامهات- نحو الآخرين وعلى رأسهم التقنيات والإعلام الذي يشعر الأبناء في الساعات التي تقضى أمام الشاشات بمتعة وأمان.

بصائر: هل من الممكن تدارك الأخطاء التربوية؟ وفي أيِّ عمر يكون هذا؟ وما هي نصيحتك لمن يرغب بتعديل مساره ومفاهيمه التربوية مع أبنائه؟

د. عبده: نعم، يمكن ذلك، وعلى من أراد ذلك أن يبدأ بتعلّم التربية حتى يتقن هذه الصناعة الواجبة. وعلينا أن نبدأ بإظهار التفهم الحاجات النمائية الجسدية والشعورية الاجتماعية والذهنية لأبنائنا، علينا أن نشعر أبنائنا بأنَّ علاقتهم بنا علاقة آمنة، علينا أن نتقرَّب منهم، وأن نكون أصدقاء حقيقيين لهم..

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "السبيل" اليومية الأردنية في قسم الشؤون المحلية والتحقيقات. وكاتبة في مجلة "الفرقان" التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم / الأردن؛ في الشؤون الأسرية والتربوية. وتكتب بشكل متقطع في العديد من المجلات العربية منها؛ البيان؛ الفرقان الكويتي؛ وأجيال السعودية إلى جانب العديد من المواقع الإلكترونية.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …