في صحيح البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنَّه قال : ((مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)). ثمَّ قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((لا تَغْتَرُّوا)).
قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري : (نهى الله عباده عن الاغترار بالحياة الدنيا وزخرفها الفانى، وعن الاغترار بالشيطان، وبيّن لنا تعالى عداوته لنا لئلا نلتفت إلى تسويله وتزيينه لنا الشهوات المردية ، وحذرنا تعالى طاعته وأخبر أن أتباعه وحزبه من أصحاب السعير، والسعير : النار . فحق على المؤمن العاقل أن يحذر ما حذّره منه ربه عز وجل ونبيه عليه السَّلام وأن يكون مشفقًا خائفًا وجلاً، وإن واقع ذنبًا أسرع الندم عليه والتوبة منه وعزم ألا يعود إليه، وإذا أتى حسنة استقلها واستصغر عمله ولم يدل بها).
لقد فهم الخليفة عثمان رضي الله عنه من ذلك أنَّ المؤمن ينبغي له ألاَّ يتكل على عمله، ويستشعر الحذر والإشفاق بتجنّب الاغترار.
قال غير مجاهد في تفسير الغرور : (هو أن يغتر بالله ، فيعمل المعصية ويتمنى المغفرة).
ما هو الغرور ؟
الغرور في معاجم اللغة: مصدر قولهم: غرّه يغرّه، وهو مأخوذ من مادّة (غ ر ر)، الّتي تدلّ على النّقصان، والمراد نقصان الفطنة،
قال غير مجاهد في تفسير الغرور : (هو أن يغتر بالله ، فيعمل المعصية ويتمنى المغفرة).
من الغرور في العبادة ..
في المستدرك للحاكم عن هشام بن حجير قال: كان طاوس يصلِّي ركعتين بعد العصر فقال له ابن عبَّاس : أتركها؟ فقال : إنما نهى عنهما أن تتخذ مسلماً أن يوصل ذلك إلى الغرور . قال ابن عباس : فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة بعد العصر وما أدري أيعذب عليه أم يؤجر، لأنَّ الله تعالى يقول : {و ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة}.
الغرور في العلم ..
إذا أتقن الإنسان فناً من فنون العلوم والمعرفة، وأقبل النَّاس إليه، وصار عنده مجلس يرتاده المتعلمين، أصبح يخشى عليه من الغرور، ولذلك قال الله تعالى:{ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}. (غافر:82). فإذا دخله الغرور نزعت البركة من علمه وصرف إلى ذكائه وحوله وقوته وفهمه وضبطه، فوكله الله إلى نفسه ، ومن وكله الله إلى نفسه ، زلت قدمه وعظمت خيبته.
قال معروف الكرخي: (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور).
الغرور في المال ..
لقد كان قارون من قوم موسى عليه السَّلام، وقد امتحنه اللّه بوفرة الثروة فأصابه الغرور وزعم أن ما ابتلي به من خير هو ثمرة علمه وخبراته الاقتصادية، ثم راح يستغل ثروته ومنزلته لنشر الفساد ودعم الظلم والفتن وفي الترف والزينة، وكان عاقبة أمره أن خسف اللّه به وبداره الأرض.
ترك الأسباب نوعٌ من الغرور ..
قال معروف الكرخي: (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور). وكان السريُّ السقطي يقول : (السرور بالله هو السرور، و السرور بغيره هو الغرور).
الدنيا دار غرور ..
نهانا المولى تبارك وتعالى أن ننساق مع ملذات الدنيا التي تنسينا عبادته وذكره والعمل الدائم للآخرة، فقال : {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا}. وسمّى ربنا عزّ وجل الدنيا متاع الغرور بعد أن وصف حقيقة هذه الدنيا بقوله سبحانه في سورة الحديد : {وعبر عنه بصيغة المبالغة، التي هي المفعول لكثرة غروره لبني آدم}، إلى أن قال: {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ}. فشبَّه الدنيا بمتاع خادع غار صاحبه، لا يلبث أن يضمحل ويذهب.
وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه نجاة من الغرور، قال الإمام الشافعي : (صحّة النّظر في الأمور نجاة من الغرور).
الشيطان يَعِدُ بالغرور ..
بيَّن الله سبحانه في قوله {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} أنَّ مواعيد الشيطان كلها غرور وباطل؛ كوعده لهم بأن الأصنام تشفع لهم وتقربهم عند الله زلفى، وأنَّ الله لما جعل لهم المال والولد في الدنيا سيجعل لهم مثل ذلك في الآخرة، إلى غير ذلك من المواعيد الكاذبة.
وقد أوضح المولى سبحانه وتعالى هذا المعنى في مواضع أخر؛ كقوله: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً}، وقوله: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}. والغرور في هذا الآية هو الشيطان الرَّجيم، وعبَّر عنه بصيغة المبالغة، التي هي المفعول لكثرة غروره لبني آدم.
وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه نجاة من الغرور، قال الإمام الشافعي : (صحّة النّظر في الأمور نجاة من الغرور).
{youtube}kKDK00nb2TM{/youtube}