من الممات الى الحياة و من الضيق الى السعة، و من الأسر الى الحرية، و من الوحشة الى الأنس، و من الفرقة الى اللقاء عاد الخضر العدناني الفلسطيني ليعانق سماء فلسطين و أرضها بأمر ربه بعد أن ظن من يثقون بالحسابات و الأيام و المعطيات و الظواهر أن لا حياة و لا حرية و لا تلاقي.
و قد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
ستة و ستون يوما فوق قدرة الاحتمال البشري بكل المقاييس العلمية و الطبية كانت حقا برعاية ربانية لا يفقهها الا أحفاد إبراهيم عليه السلام الذي علم أن هناك غذاء و شرابا غير ما يستهلكه البشر و نبهنا فما انتبهنا على كثرة ما قرأنا حتى رأينا بأم أعيننا قوله تعالى ماثلا في بشر " و هو الذي يطعمني و يسقين" بل و حديث رسوله صلى الله عليه و سلم يوم أخبر عن نقص الطعام في آخر الزمان فسأله الصحابة و ماذا يفعل الناس؟ فأجاب يهللون و يحمدون و يكبرون و ذلك يجزىء عنهم مجزأة الطعام أي يسد مكانه، و سيرة الصحابي الأسير خبيب بن عدي الذي أخبرت عنه المرأة التي كان أسيرا في بيتها فقالت "لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بـمكة يومئذٍ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله".
لا بد أن في معجزة حياة الخضر العدناني شيء لا يعرفه الا خضر عدنان الذي ربما نحل جسده فيما نرى الا أن قلبه ظل ممتلئا بل و فائضا بصنوف غذاء لايعرف مذاقه الا من جربه من أهل غذاء الروح الذي يصبّر الجسم الضعيف النحيل و يمده بطاقة الصمود.
هذه كانت قصة الأمس تشبهها قصة كانت ترويها جدتي عن رجل مبارك في قرية اسمها الخضر من قرى فلسطين...
قصة رحلة الموت كانت قصة البارحة أما قصة اليوم فهي قصة ألف ليلة و ليلة الفلسطينية، قصة ألف شهيد و شهيد، قصة ألف أسير و أسير و ألف انتصار و انتصار هي قصة تنتهي ككل القصص الخيرة للناس الطيبين الذين يعيشون في ثبات و نبات و يزينون الدنيا بالصبيان و البنات تحت أعلام الحرية و النصر، هي ليست أسطورة و لا قصة خيالية بل هو وعد الله لعباده المؤمنين.
قصة اليوم قصة بنات الخضر الفلسطيني في حضن والدهن، قصة تلخصها ضحكة أب و كأنه ما رأى في حياته حزنا و لا ألما قطا، و قصة طفلتين مؤنسات غاليات لا يعرفن من الدنيا سوى هذا الحضن الدافىء الآمن و كانهن ما فارقنه يوما.
هو مشهد خالد لا يجب أن ينسى، هي قصة أخرى يجب أن تخلد مثل قصة الخضر و سيدنا موسى عليه السلام يوم قال له الخضر: اصبر فإن صبرك محمود العاقبة و كل بلاء سينتهي الى رحمة من الله" رحمة من ربك و ما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا"..
الخضر الفلسطيني و في حضنه زهرتين جميلتين صورة تبشرنا بأن القدس ستتحرر و الأسرى سيتحررون و بأن النصر مع الصبر و أن مع العسر يسرا و أن نتيجة امتحان هذه الأمة إحدى الحسنيين: إما نصر و إما شهادة.
صورة خضر عدنان مع ابنتيه صورة لكل محزون او يآئس أو متخاذل تقول أن طريق النصر قريب لمن ضحى و قدم و سبق..
و نحن موعودون ان كنا مؤمنين أن سيرتنا و صورنا ستحوي الكثير الكثير من "و أخرى تحبونها نصر من الله و فتح قريب"..
فسبحان من أحيا عظام الخضر و روحه و قلبه و آتاه أهله و مثلهم معهم رحمة منه سبحانه و ذكرى للعابدين
.