مفهوم الحماية والتحصين عند الإمام البنا (4-5)

الرئيسية » بصائر تربوية » مفهوم الحماية والتحصين عند الإمام البنا (4-5)
alt

كم من الدعاة بعد أن قطعوا هذه الأشواط من المعرفة والتنفيذ والبذل والاستمرار ، فهماً وحركة ونشراً ، إذا بهم يتعثرون عند النهاية ، فيزلون لأنهم لم يتحققوا بالأخوة التي هي أول القوة ، وأخت الإيمان ، أو يفشلون لأن من يفقد الثقة فقد فقد كل شئ في إنجاح دعوته ، فمن ترك الأخوة وهي روح الجماعة فقد سلم نفسه لهواه ، والهوى هوان ، ومن فقد الثقة التي هي الوصول إلى القمة فقد هوى ، ومن هوى فقد حرمه الله من فتوحاته ، وهذا ما أراده الإمام البنا فيقول عن ركني الحماية ( الأخوة ) و( الثقة ) ، أو قل ( قوة الصف ) و ( قوة الجماعة ) .   

الركن الأول : ركن الأخوة

يقول الإمام : ( وأريد بالأخوة : أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار، ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ( الحشر:9 ) . 

والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، "وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، "والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا"، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة:71)، وهكذا يجب أن نكون.

يجب أن نكون هكذا :
1- ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة
2 – نحقق الأخوة بالايمان فهما أخوان
2– نحذر التفرق لأنه أخو الكفر
3 – نتحد بالحب فهو أول الوحدة
4 – نري إخواننا أولى بأنفسنا من أنفسنا

يقول الشهيد سيد قطب : ( إن هذه العقيدة عجيبة فعلا. إنها حين تخالط القلوب، تستحيل إلى مزاج من الحب والإلفة ومودات القلوب، التي تلين قاسيها، وترقق حواشيها، وتندي جفافها، وتربط بينها برباط وثيق عميق رفيق. فإذا نظرة العين، ولمسة اليد، ونطق الجارحة، وخفقة القلب، ترانيم من التعارف والتعاطف، والولاء والتناصر، والسماحة والهوادة، لا يعرف سرها إلا من ألّف بين هذه القلوب، ولا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب! )هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم ) الأنفال- (62-63).
إن هذه العقيدة عجيبة فعلا. إنها حين تخالط القلوب، تستحيل إلى مزاج من الحب والإلفة ومودات القلوب، التي تلين قاسيها، وترقق حواشيها، وتندي جفافها، وتربط بينها برباط وثيق عميق رفيق. فإذا نظرة العين، ولمسة اليد، ونطق الجارحة، وخفقة القلب، ترانيم من التعارف والتعاطف

يقول الإمام البنا : ( فاحرص على سلامة صدرك نحو إخوانك، وجاهد نفسك لتصل ومن معك إلى مرتبة الإيثار، والتفريط في هذا الركن أو النكث فيه كالنكث في ركن الجهاد يؤدي إلى أوخم العواقب، فلو هبط الأفراد عن أدنى مراتب الأخوة فستبدأ الفرقة، ويسود التنازع، وهذا يؤدي إلى الهزيمة : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) الأنفال- 46.

ثم  يوصي الإخوان : ( تحابوا فيما بينكم ، واحرصوا كل الحرص على رابطتكم ، فهي سرّ قوتكم ، وعماد نجاحاتكم ، واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين) رسالة بين الأمس واليوم .

الركن الثاني : الثقة

يقول الإمام : ( وأريد بالثقة : اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء :65 .

والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوةَ بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾  محمد :20-21 . 

وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعًا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.

القائد جزء من الدعوة، ولا دعوةَ بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها
ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته:
1- هل تعرف إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟
2- هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه؟
3- هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعًا قاطعًة لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟
4- هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب، إذا تعارض أمر ما به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي؟
5- هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة.

بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد، وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ الأنفال :63 .

وقد ضرب الإمام المثل العملي حين رأينا الثقة المطلقة للإمام البنا في منهج الدعوة المستقى من منهج الإسلام الأول الأصيل وهو يقول  : ( أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم: اسمعوها مني كلمة عالية مدوية، من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع: إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده. ولست مخالفا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقا طويلا، ولكن ليس هناك غيرها. إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات. ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة ، وإما الشهادة والسعادة) رسالة المؤتمر الخامس .

والثقة تكون بالله وحده.. وبالمنهاج الذي نتبع.. وبالقيادة التي ننقاد لها.. وهي تبدأ من داخل النفس لا من خارجها.

فهل يصح في الأفهام أن يطمئن الجندي إلى قائده اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة.. بدون ثقة ؟

وهل الجندي على استعداد أن يعتبر الأوامر التي تصدر إليه (في غير معصية) من قيادته، قاطعة لا مجال فيها للتردد.. بدون ثقة ؟

وهل الجندي على استعداد أن يفترض في نفسه الخطأ وفي قيادته الصواب بدون ثقة ؟

الإمام البنا ركز في هذا الركن على دور القائد في الجماعة.. وعلى الثقة المتبادلة بين القائد والجنود، التي يتوقف عليها قوة نظام الجماعة وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب.

وأوضح أن مظاهر نجاح الثقة في القيادة :

والد بالرابطة القلبية ( تظهر عند مواقف الرحمة والحنان )
أستاذ بالإفادة العلمية  ( تظهر عند مواقف المعرفة والتوعية )
شيخ بالتربية الروحية  ( تظهر عند مواقف العبادة والاتصال بالله )
قائد بالسياسة الدعوية  ( تظهر عند مواقف الدعوة وتكاليف الجماعة )
ولذلك يقول الإمام البنا : ( ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعًا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات).

{youtube}6Dqh6fSK_JI{/youtube}

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …