كثيراً ما تشكو بعض الأمهات من عصبية أطفالهن، وتوالي صراخهم وصدور بعض التصرّفات منهم؛ مثل البكاء الدائم ومص الإصبع وشدّ الشعر بشكل مستمر، هذا ما يدعو الكثير من الآباء للشعور بالقلق حيال ذلك، والتفكير بأنَّ أطفالهم في خطر مؤكّد.
كما تعدُّ ظاهرة الطفل العصبي من الظواهر الحساسة والدقيقة في كل أسرة، ولعلها مشكلة لا ترجع إلى عوامل نفسية وحسب، وإنَّما لها عوامل جسمية تؤثر في عدم استقرار الطفل، فمهمة الوالدين هنا محاولة الوقوف عند الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة وفهمها ومن ثمَّ مساعدة الطفل في سبل الخلاص منها، وبالتالي الوقاية منها بوسائل غير قهرية.
اكتساب العصبية من المحيط الخارجي:
الدكتور محمد كفينة المختص النفسي قال لـ"بصائر" :" إنَّ العصبية لدى الأطفال لها علاقة بالوراثة أولاً، ثمَّ مكتسبة حيث يكتسبها الطفل من خلال محيطه الخارجي، مرجعاً سبب وجود العصبية الزائدة لدى الأطفال والتي انتشرت أخيرا بشكل ملحوظ، نتيجة للضغوط التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني".
وأكَّد أنَّ الوضع الاقتصادي والحرمان من الكهرباء والماء والغذاء له تأثير مباشر على الأطفال، "فنجد الطفل يفتقد إلى أشياء كثيرة، من ألعاب وملابس وغيرها...، ممَّا يجعله يكرس كل طاقاته في ممارسة العنف والعصبية، لأنَّها هي الوحيدة باعتقاده من ستحقق له رغباته".
وأشار كفينة إلى أنَّ الأطفال لا يمتلكون الخبرة الكافية في مواجهة مثل هذه الضغوط، ممَّا يولّد لديهم الرغبة في الانتقام ممَّن حولهم سواء الآباء أو الأمهات، فيصبح الطفل يبحث عن أسباب تغضبه ويبحث عن تبريرات لنفسه تحميه من غضب والديه عليه، ليحظى منهم بالعطف والحنان.
وأضاف أنَّ الأجواء المشحونة داخل الأسرة لها تأثير قويّ على الأطفال، كما أنَّ التقليد لدى الطفل في السنوات الأولى من عمره، يكون على أشدّه فحين تحدث مشاجرات بين الأم والأب بشكل مستمر يقوم الطفل فيما بعد بتقليدهم من خلال الصراخ والعصبية.
تربية الطفل ..
وأوضح كفينة أنَّ تربية الطفل تبدأ قبل الولادة من خلال الغذاء المقدَّم له وهو جنين في رحم أمه، ومن خلال كلام الأم له وغنائها له، وسماع القرآن، "وحين يولد الطفل يبدأ مرحلة جديدة في حياته وهي مرحلة التربية السليمة، فالطفل يتأثر بأمه كثيراً لأنَّها هي من تجلس معه وتربيه، وكلَّما كانت الأم حازمة بتربيته كان ذلك الأفضل للطفل".
أسباب العصبية ..
وأردف بالقول :"قد تكون أسباب عصبية الطفل مرضية، وفي هذه الحالة من الأفضل عرضه على طبيب مختص لحل المشكلة، وأمَّا إن كانت عصبية مكتسبة فلها علاجات كثيرة ؛ مثل إشعار الطفل بالقبول والمحبة وعدم التوبيخ والزجر، والقيام بممارسة أنواع معينة من الرياضة الحركية، والنوم الصحي المبكر وغير ذلك". يجب البعد عن أسلوب الضرب والتحقير خاصة أمام الآخرين، وإشباع حاجات الطفل النفسية، بأنَّه مرغوب ومحبوب، حتى يشعر بالطمأنينة والحب.
ونوَّه كفينة إلى وجود أنواع من العقاب يمكن أن تكون وسيلة للعلاج، مثل حجز الطفل لمدة بسيطة لا تتجاوز عشر دقائق داخل غرفة حتى يشعر بخطئه.
وبيَّن أنَّ ذكر مساوئ الطفل أمام الآخرين خطأ فادح تقوم به بعض الأمهات في محاولة لتفريغ شحنات غضبهن من عناد أطفالهن، وسماع الطفل لمثل هذه الأحاديث تزيد عقدة العصبية عنده فيزداد عناداً.
الأسرة هي المحضن التربوي ..
ومن جانبه، أكَّد الدكتور أسامة حمدونة أستاذ الصحة النفسية في جامعة الأزهر بغزة على أنَّ الطفل يتأثر بما يحيط به من الحنو أو القسوة تأثراً عميقاً يصاحبه بقية حياته، ويشمل نواحيه الصحية والنفسية.
وتابع بالقول: "إنَّ الطفل يولد وليس له سلوك مكتسب، بل يعتمد على أسرته في اكتساب سلوكياته؛ لأنَّ الأسرة هي المحضن التربوي الأوَّل التي ترعى البذرة الإنسانية منذ ولادتها".
وأوضح حمدونة أنَّ بعض الأطفال يكتسبون عصبيتهم من خلال الجو المحيط بالمنزل، فإن رأى الطفل والديه يستخدمون العصبية والتوتر، فإنَّه سيحاول تقليد سلوكهم، لذلك فهو يتعلم أساليب جديدة للاستثارة الانفعالية عن طريق التقليد.
وعرَّف حمدونة العصبية على أنَّها ضيق وتوتر وقلق نفسي شديد يمرّ به الإنسان سواء الطفل أو البالغ تجاه مشكلة أو موقف ما، يظهر في صورة صراخ أو ربَّما مشاجرات مع الأقران أو أقرب الناس؛ مثل الأخوة أو الوالدين.
التدليل الزَّائد ..
وأضاف حمدونة أنَّ التدليل الزائد يعلم الطفل العصبية وذلك لأنَّه ينمي في الطفل صفات الأنانية ممَّا يجعله دائم التمركز حول نفسه ويحب كل شيء لنفسه وإذا لم تلبى تلك الرغبات بسرعة فانه يغضب ويثور حتى تستجاب طلباته.
وأشار حمدونة إلى أنَّ معظم الأطفال الذين يعانون من العصبية هم أطفال عاشوا في منازل تتميَّز بالقلق والتوتر والاضطراب العائلي، لذا يجب أن تكون الأسرة سعيدة متفاهمة بعيدة عن التوترات والمشاجرات ويسودها الحب والتفاهم، على حدِّ تعبيره.
كيفية معاملة الطفل ..
وختم حمدونة بقوله:" يجب على الآباء أن يعوِّدوا أبناءهم على الحرية واتخاذ القرار والتدخل في الوقت المناسب حتى ينشأ الطفل معتمداً على نفسه ولا يكون اتكاليا".
وأضاف: أنَّه يجب البعد عن أسلوب الضرب والتحقير خاصة أمام الآخرين، وإشباع حاجات الطفل النفسية، بأنَّه مرغوب ومحبوب، حتى يشعر بالطمأنينة والحب.
ودعا حمدونة إلى ضرورة الاهتمام بهوايات الطفل والترويح عن نفسه لمساعدته في تنمية شخصيته.
{youtube}par8ZTK4xnA{/youtube}