من طبيعة بني البشر - كما جبلهم ربهم سبحانه وتعالى – الاختلاف في الأفكار والرؤى والمذاهب والمبادئ، ولكي يبقى هذا الاختلاف في حدوده الطبيعية المقبولة، حذر القرآن الكريم من خطر الاختلاف الذي يؤدّي إلى التنازع فالفشل وذهاب القوّة وانشقاق الصف الواحد وتصدّع البنيان بعد أن كان مرصوصاً، قال الله تعالى:{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. (الأنفال:46). وبيّنت السنة النبوية أنَّ الطريق الأمثل للعيش الأخوي الأمثل في البعد عن كل ما يعكّر صفوه، ففي الحديث الصَّحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً). (الأدب المفرد للبخاري).
وفي شهر شعبان ليلة مباركة يغدق الله سبحانه على عباده المؤمنين مزيداً من فضله وغفرانه ورحمته، لكنَّ أصنافاً منهم محرومون من هذا الفضل، ومبعدون من أن تشملهم هذه المنحة الربانية .. إنَّها منحة المغفرة .. وإنهم أهل الشحناء والبغضاء ..
عن معاذ بن جبل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن)). (صحيح ابن حبَّان ومسند أحمد).
الشَّحناء في معاجم اللغة هي العداوة؛ كأَنّه شَحَنَ قلبه بغضاً أي : مَلَأَهُ . وقال ابن سيده : (والشحناء الحقد، وقد شحن عليه شحناً وشاحنه). وقال الخليل بن أحمد : (والشَحْناءُ: العَداوة عَدُوٌّ مُشاحِن: يشحَنُ لك بالعَداوة). وقال ابن منظور في لسان العرب: (الشَّحْناء الحقد والشَّحْناء العداوة وكذلك الشِّحنة بالكسر وقد شَحِنَ عليه شَحْنَاً وشاحَنَه وعَدُوٌّ مُشاحِنٌ وشاحَنَه مُشاحنةً من الشَّحْناء وآحَنَه مُؤَاحَنة من الإِحْنةِ وهو مُشاحِنٌ).
هناك فرص ونفحات ربانية علينا أن نتعرّض لها ولا نجعل بينا وبينها حاجباً، فالقلب السليم ينجي صاحبه يوم لا ينفع مال ولا بنون، قال الله تعالى :{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. ( الشعراء).
وأصحاب الشحناء محرمون أيضاً من ذلك الخير العميم يومي الإثنين والخميس من كلِّ أسبوع .. عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر لكلِّ عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً إلاً رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا)). (صحيح مسلم).
وبعد، فهل يمكن أن ترضى أن تكون مشاحناً وتخسر هذا الخير والنعم والهدايا من رب العالمين؟!
هناك فرص ونفحات ربانية علينا أن نتعرّض لها ولا نجعل بينا وبينها حاجباً، فالقلب السليم ينجي صاحبه يوم لا ينفع مال ولا بنون، قال الله تعالى :{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. ( الشعراء).
ومن العلامات الكبرى لذلك اليوم العظيم، حيث تذهب الشحناء والتباغض، ما أخرج مسلمه من حديث عطاء بن ميناء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله، لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصَّليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص، فلا يستقى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد)).
وفي الجنة التي عرضها السماوات والأرض تزول تلك الشحناء، ففي الأثر عن علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه أنَّه قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة وفي صدورهم الشحناء والضغائن، فإذا دخلوا الجنة وتقابلوا على السرر نزع الله ذلك في صدورهم، ثمَّ تلا هذه الآية: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}. ).
وفي هذه الحياة الدنيا يرشدنا الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم إلى طرق ووسائل مساعدة لإزالة الشحناء والبغضاء، ففي موطأ الإمام مالك عن عطاء بن أبي مسلم الخراساني أنَّ رسولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم قال: ((تصافحوا يذهبِ الغِلُّ ، وتَهادَوْا تَحَابُّوا ، وتذهب الشحْنَاء)).