قال الرَّاغب في مفردات ألفاظ القرآن : (الأوبُ ضربٌ من الرُّجوع، وذلك أنَّ الأوب لا يقال إلاَّ في الحيوان الذي له إرادة، والرُّجوع يقال فيه وفي غيره، يقال : آب أوباً وإياباً ومآباً . قال الله تعالى : { إنَّ إلينا إيابهم } وقال : {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا}. (النبأ:39). والمآب مصدرٌ منه واسم الزمان والمكان، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}. (آل عمران:14). والأوَّاب كالتوَّاب، وهو الرَّاجع إلى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات، قال تعالى: { أَوَّابٍ حَفِيظٍ}. (ق:32)، وقال : {إنَّه أوَّاب} ومنه قيل للتوبة: أوبة).
وفي تهذيب اللغة للأزهري: (قال الله تعالى: {يا جبال أوِّبي مَعَه والطَّيْر}: وقرأ بعضهم: (يا جبال أُوبي معه). فمن قرأ: {أَوِّبي معه} ، معناه: رَجِّعي معه التسبيح. ومن قرأ: (أوبي معه)، فمعناه: عودي معه في التسبيح كلما عاد فيه.
قال أهل اللغة: الأوَّاب: الرجَّاع الذي يرجع إلى التوبة والطَّاعة؛ من: آب يؤوب، إذا رجع، قال الله تعالى: {لكل أوّاب حَفيظ}.
قال أبو بكر: في قولهم: (رجل أوّاب) سبعةُ أقوال: قال قومٌ: الأوّاب: الرَّاحم؛ وقال قوم: الأوّاب: التائب؛ وقال سعيد بن جُبير: الأوّاب: المُسبِّح؛ وقال ابن المسيّب: الأوَّاب: الذي يُذنب ثمَّ يتوب، ثمَّ يذنب ثمَّ يتوب. وقال قتادة: الأواب: المُطيع؛ وقال عبيد بن عُمير: الذي يذكر ذنبه في الخلاء فيستغفر الله منه.
وقال أهل اللغة: الأوَّاب: الرجَّاع الذي يرجع إلى التوبة والطَّاعة؛ من: آب يؤوب، إذا رجع، قال الله تعالى: {لكل أوّاب حَفيظ}.
الأوبةُ بهذه المعاني من صفات الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصَّالحين، فقد وصف المولى تبارك وتعالى نبيّه داود عليه السَّلام في موضع من كتابه الكريم، ووصف ما وهبه له من ذريته بهذا الوصف في موضع آخر، فقال سبحانه في الموضع الأوّل: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}. (ص:15). أي: رجَّاع إلى الله في كل أموره.
إنَّ داود من أشهر المُثُل في المنيبين بما اشتهر به من انقلاب حاله بعد أن كان راعياً غليظاً إلى أن اصطفاه الله نبيئاً وملكاً صالحاً مُصْلِحاً لأمة عظيمة
قال الإمام ابن عاشور في تفسيره : (إنَّ داود من أشهر المُثُل في المنيبين بما اشتهر به من انقلاب حاله بعد أن كان راعياً غليظاً إلى أن اصطفاه الله نبيئاً وملكاً صالحاً مُصْلِحاً لأمة عظيمة ، فهو مَثَل المنيبين كما قال تعالى : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنَّه أواب } وقال : { فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب } (ص : 24) ، فلإِنابته وتأويبه أنعم الله عليه بنعم الدنيا والآخرة وباركه وبارك نسله. وفي ذكر فضله عبرة للناس بحسن عناية الله بالمنيبين تعريضاً بضد ذلك للذين لم يعتبروا بآيات الله ، وفي هذا إيماء إلى بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بعد تكذيب قومه وضيق حاله منهم سيؤول شأنه إلى عزة عظيمة وتأسيس ملك أمة عظيمة كما آلت حال داود ، وذلك الإِيماء أوضح في قوله تعالى : { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أوّاب}).
وفي الموضع الآخر يصف هِبَتَه له وهو سليمان عليه السَّلام، فيقول الله تبارك وتعالى:{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}. (ص:30). قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (ثناء على سليمان عليه السلام بأنَّه كثيرُ الطَّاعة والعبادة والإنابة إلى الله عزّ وجل).
فهل يكون لنا نصيب إخوتي الكرام من هذا الخلق الكريم والوصف الجليل، خصوصاً ونحن على أعتاب شهر كريم، فليكن هذا الشهر فرصة للإنابة والأوبة إلى الله سبحانه، والرّجوع في كلِّ حركاتنا وسكناتنا لله رب العالمين ؟!
كما وصف الله سبحانه نبيّه أيوب عليه السَّلام بهذا الوصف الجليل، فقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)}. (ص).
إنَّه نِعْمَ الثناء بعد الصَّبر على البلاء وحسن الطاعة والالتجاء، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي: رجَّاع منيب، ولهذا قال جل جلاله: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً}).
فهل يكون لنا نصيب إخوتي الكرام من هذا الخلق الكريم والوصف الجليل، خصوصاً ونحن على أعتاب شهر كريم، فليكن هذا الشهر فرصة للإنابة والأوبة إلى الله سبحانه، والرّجوع في كلِّ حركاتنا وسكناتنا لله رب العالمين ؟! لننال بفضله وكرمه درجة الأوّابين وما أعدَّه لهم .. قال الله تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)}. (ق).