أيام قليلة ويحلُّ علينا ضيفٌ عزيزٌ على قلوبنا، ضيف يبشّرنا به هلالٌ يهلّه علينا المولى تبارك وتعالى باليمن والإيمان والسَّلامة والإسلام، هلالُ خيرٍ يتطلع إليه المؤمنون في أرجاء الأرض قاطبة ليبدؤوا صيامهم وقيامهم، إنَّه شهر الصيام، شهر رمضان المبارك؛ الذي كان السلف الصالح يستعدون له أشهراً عديدة، ويتمنون أنَّ أشهر السنة كلّها رمضان، ويصفونه بشهر حصاد الزرع، فها هو الإمام أبو بكر البلخي يقول: (شهر رجب شهر الزَّرع، وشهر شعبان شهر سقي الزَّرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزَّرع).
وهو الذي يقول أيضاً: (مثل شهر رجب كالرِّيح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟! وها قد مضى رجب، فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان ؟! هذا حال نبيّك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدَّرجات ؟!).
أبو بكر البلخي يقول: (شهر رجب شهر الزَّرع، وشهر شعبان شهر سقي الزَّرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزَّرع).
الصِّيام الوظيفة الكبرى ..
إنَّ الوظيفة الكبرى لشهر رمضان هي الصَّوم، ولكن أيّ صوم ؟ إنَّه الصوم الذي لخَّص النبيّ عليه الصَّلاة والسلام وصفه بقوله : (( كلُّ عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عزّ وجل: إلاَّ الصوم فإنَّه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي)). (صحيح مسلم).
وهو الصَّوم الذي يتحلّى فيه المؤمن بأخلاقه وآدابه، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم؛ قوله صلَّى الله عليه وسلّم: ((.. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنّي امرؤ صائم)).
وهو الصَّوم الذي ينال فيه المؤمن فرحة الدنيا والآخرة معاً، ففي تتمة الحديث السابق الذي أخرج الإمام مسلم قوله عليه الصَّلاة والسَّلام : (( ..وللصَّائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه)).
تلاوة القرآن وتدبره ..
إنَّ الوظيفة الكبرى لشهر رمضان هي الصَّوم، ولكن أيّ صوم ؟ إنَّه الصوم الذي لخَّص النبيّ عليه الصَّلاة والسلام وصفه ..
إنَّه شهر القرآن الكريم، قال الله تعالى:{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، فمن أهم وظائفه تلاوة القرآن وتدبره، وكان نبيّنا صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل كلَّ رمضان.
في طعام السَّحور بركة ..
ففي صحيح البخاري قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم : ((تسحروا فإنَّ في السَّحور بركة)). قال ابن قدامة في (المغني) : (ولا نعلم فيه خلافاً) أي : في استحبابه . وقال ابن المنذر: (وأجمعوا على أنَّ السَّحور مندوب إليه) . قال ابن دقيق العيد : (وهذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية، فإنَّ إقامة السنة توجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية لقوَّة البدن على الصوم وتيسيره من غير إجحاف به).
المحافظة على صلاة التراويح ..
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّم أجود النَّاس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ...
ففي الحديث الصحيح، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه )). وقال صلَّى الله عليه وسلّم : ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد)). (رواه الترمذي السنن).
التصدّق والإنفاق ..
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّم أجود النَّاس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السَّلام يلقاه في كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض علي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السَّلام كان أجود بالخير من الرِّيح المرسلة)). أخرجه البخاري في صحيحه.
ولنا وقفات قادمة في ظلال التوجيه النبوي مع وظائف أخرى في هذا الشهر الكريم ..