وصية مضحكة قد تسمعها من بعض الناس إذا كنت ستسافر الى اسطنبول تجعلك تتخيل أن أردوغان جالس في المطار ينتظر الزوار يستقبلهم و يرحب بهم!
الا أن الحديث له رمزية أخرى في الإعجاب بهذا الرئيس الذي أصبح وجه تركيا الحديثة، وأباها الجديد ويمثلها بمواقفه ومواقف حزبه والحركة التي انتمى إليها التي تقرب بها الى العرب، وقرب تركيا اليهم عابرا عقودا من القطيعة والتناحر وسوء الفهم.
«أردوغان تمام» بالتفخيم، هكذا يلفظها أهل اسطنبول الذين يحسون أن العرب يحبونه، ويفخرون أنه ابن حي بسيط خرج من حواريهم ليصبح رئيس الدولة ومع ذلك لم ينفصل عنهم ولم يقم بينه وبينهم الحواجز، بل إنه لم يتخلف يوما عن واجب العزاء لأي تركي يفقد عزيزا ويدعوه إلى الجنازة، وكان عزاء والدته استفتاء شعبيا على محبته وقربه من الشعب.
لن يجد الزائر أردوغان في المطار حتى يسلم عليه، ولكنه سيجد آثار قيادته الرشيدة وإخلاصه عندما كان رئيس بلدية اسطنبول، وحاليا كرئيس وزراء البلاد ماثلة في النظام والأمن والنظافة وارتفاع مستوى المعيشة وتقليص المديونية وانخفاض البطالة والشعور العام بالرضى الذي يبدو على وجوه الأتراك، الذين يجدون على اختلاف طبقاتهم أماكن للترفيه والاستجمام دون أن يحرم الغني الفقير من متنفس يروح فيه عن نفسه في الحدائق والشواطئ التي لو وجدت في بلادنا لسيطر عليها أصحاب الأموال واحتكرها الأغنياء، ليجتمع على الفقراء ضيق العيش وضيق ذات اليد!
اسطنبول بهجة للناظرين أينما وليت وجهك، ويضيف النظام الاجتماعي رونقا على جمال الطبيعة وخصب التاريخ، إلا أن العرب يطلعون على تاريخ تركيا من خرم ابرة المسلسلات فلا يعرفون سوى قصص حبهم أو فسقهم وعن العثمانيين سوى حريمهم، وينسون أن الإنصاف يقتضي أن نفهم أن تاريخنا بعد الخلفاء الراشدين وتابعهم العمري الأموي كان دائما منقسما بين نصر وهزيمة وصفحات مشرقة وأخرى سوداء، والحكام يخلطون أعمالا صالحة وأخرى سيئة، فالبشر بشر، ولو كان أمراء أو سلاطين، وهم بهذه الجبلة موضع الخطأ والنقص والزلل.
ولقد أصاب العثمانيون وأخطأوا كما أخطأ وأصاب من كانوا حديثي عهد وصحابة وتابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمويين والعباسيين، ولكن بمجمل الأمر كنا عربا ومسلمين أحسن حالا وأكثر قوة متوحدين تحت الخلافة الا في عصور الضعف، وما رأى العرب خيرا ولا قوة منذ أن تشرذمنا في دويلاتنا منقوصة السيادة، وتبعنا أمريكا والمجتمع الدولي.
نراهن على القادم وأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وهو بكل المقاييس أفضل من تسليم رقابنا لأمريكا، ولدى المدرسة التركية قيادة وسياسة الكثير مما يمكن أن نتعلم ونستفيد منه في التدرج في إحداث التغيير الاجتماعي.
«سلموا على أردوغان» سمعتها أكثر من مرة ومن أناس كثر، وما سمعتها عن رئيس عربي من أقصى بلادنا الى أقصاها، فرؤساؤنا أبعد ما يكونون عنا ولا يعرفهم الشعب الا اذا اقتضى التصوير التلفزيوني والمراسم مصافحة أو قبلة او اجتماعا او زيارة! بل إن معظم حكامنا يرتبطون في عقول وقلوب شعوبهم بالخوف والتسلط والاستبداد والاستحواذ! ولا ندري كيف يعيش هؤلاء مع مشاعر كراهية الشعوب لهم الذين لا يظهرون لهم الحب الا اضطرارا او بشراء الذمم، وهذه تعاسة الدنيا على الرغم من كل الحرس والبطش والبهرج، وقد سأل نيرون قيصر روما أغربين الشاعر وهو يُعذب: من أشقى الناس؟ فأجابه معرضا به: «من إذا ذكر الناس الاستبداد كان مثالا له في الخيال».
عندما اختار أردوغان أن يكون قريبا من شعبه وأن يخدمهم ولا يسرق منهم، اختار حياة هانئة لنفسه دون أن يتربص الخوف والموت له عند كل منعطف، والمعادلة عمرية بسيطة مجربة معروفة نتائجها: «عدلت فأمنت فنمت»، وبغيرها لن يصلح الحكم ولن يستقيم الحكام.
في تركيا نسلم على أردوغان، وفي ماليزيا كنا نسلم على مهاتير، وفي غزة على اسماعيل هنية، وفي مصر الآن نستبشر بالسلام على محمد مرسي.
فهل في الباقين من الحكام من يستيقظ من غفلته و خلص من أسر مستشاري الشيطان ويقول: وأنا أيضا!
وهل من عاقل يبدل سخط الدنيا والآخرة بقبول الدنيا والآخرة والناس ورب الناس؟
بين أن يسلم عليك شعبك حبا، ويلعن روحك صباحا مساء عندما تدير ظهرك، فرق كبير أيها الحاكم!!