فاطمة الفهرية..مدرسة في الإنفاق

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » فاطمة الفهرية..مدرسة في الإنفاق
alt

إذا وهب الله الإنسان المال الكثير بعد عناء وتعب فسيفكر في إنفاقه، و إمَّا أن يفكر في زيادة هذا المال ليصبح ثريّاً، وتتعدد ممتلكاته بعد موته و يبقى ذكره بين الناس بثرائه وغناه الذي نفع به نفسه وحسب.

أو أن يختار كما اختارت فاطمة أن بذكرها في السَّماء عند الله تعالى وذكر في الأرض بنفعها لغيرها..
فعند زيارتك لبلاد المغرب تجد أول جامعة عربية إسلامية في هذه البلاد هي مسجد القرويين الذي كان له قصة رائعة مع فاطمة بنت محمد التي تكنى بأم البنين، وعرفت بالفهرية.

بدأت قصتها وهي فتاة صغيرة عند نزوحها وأهلها مع العرب النازحين من مدينة القيروان إلى أقصى المغرب ونزلت مع أهل بيتها في عدوة القرويين زمن حكم إدريس الثاني، حتى تزوجت وطاب لها المقام هناك. أصاب أهلها وزوجها الثراء بعد كد وتعب واجتهاد وعمل، ولم يمض زمن طويل حتى توفي والدها وزوجها ثم مات أخ له فورثت عنهما مالا كثيرا شاركتها فيه أخت لها هي مريم بنت محمد الفهري التي كانت تكنى بأم القاسم.

فوجدت نفسها تملك مالا كثيراً أثار في داخلها التساؤل عن كيفية إنفاقه فإمَّا أن تعيش به الحياة الرغيدة المترفة، وإمَّا أن تنفع به غيرها وهنا يظهر الاختبار الحقيقي للمؤمن عندما تفتح له أبواب الدنيا ومتاعها فتظهر حقيقة الإيمان وحقيقة ما في القلب فمن تعلق قلبه بالله سيسعى لأن يكون المال وسيلة لقربه من الله ووسيلة لنفع الأمة والمسلمين وأما من تعلق بالدنيا وغرته فسيسعى لراحته في الدنيا دون الآخرة...

إنَّ حياة المؤمنة الصَّادقة بإيمانها تجعل من المال وسيلة لا غاية تجعل منها ثابتة تنظر إلى أنَّ هذه الحياة كلها متاع زائل، وأنَّ الآخرة خير وأبقى...

وهكذا كانت فاطمة بنت محمد الفهري تفكر في أمر إنفاق المال الوفير حتى انتهت إلى العزم على بناء مسجد يكون ذكراً لها بعد موتها وصلة مع أهل الدنيا وليظل عملها بعد موتها مستمراً، عمدت فاطمة إلى مسجد القرويين فأعادت بناءه في عهد دولة الأدارسة، وضاعفت مساحته بشراء الحقل المحيط به ضمَّت أرضه إلى المسجد، وبذلت مالاً جسيماً برغبة صادقة حتى اكتمل بناؤه في صورة بهية وحلية رصينة.

ومن قوَّة إيمانها وحسن تربيتها علمت أنَّ هذا العمل لا يكون إلاَّ بتوفيق من الله، وعلمت أن التوفيق يأتي بعبادة الله وكثرة الطاعات؛ فتذكر المراجع التاريخية أنَّ أم البنين فاطمة الفهرية هي التي تطوَّعت ببنائه وظلت صائمة ونذرت ألا تفطر يوماً حتى ينتهي العمل فيه.

ومن سعيها وحرصها على أن يكون هذا العمل الذي قدَّمته لله من مال حلال خالص تروي كتب التاريخ عنها أنَّها عقدت العزم على ألا تأخذ ترابا أو مواد بناء من غير الأرض التي اشترتها بحر مالها، وطلبت من عمال البناء أن يحفروا حتى أعماق الأرض يستخرجون من أعماقها الرمل الأصفر الجديد والأحجار والجص ليستخدموه في البناء.

بدأ الحفر في صحنه لإنشاء بئر من أجل شرب البنائين ولاستخدامه في أعمال البناء ثم عمدت بعد ذلك في حفر بناء أساس وجدران المسجد وقامت بنفسها بالإشراف عليه فجاء المسجد فسيح الأرجاء محكم البناء وكأن فاطمة عالمة بأمور البناء وأصول التشييد لما اتصفت به من مهارة وحذق فبدا المسجد في أتمّ رونق وأزهى صورة وأجمل حال وزخرف، وكان ذلك أول رمضان سنة 245 من الهجرة.
عند إتمام البناء صلت فاطمة صلاة شكر لربها على فضله وامتنانها لكريم رزقه وفيض عطائه الذي وفقها لبناء هذا الصَّرح الذي عرف بمسجد القرويين..

وقال عنها عبد الرحمن بن خلدون: «فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها» ولا زال جامع القرويين إلى جوار جامع الأندلس الذي بنته شقيقتها مريم يؤديان دورا رائدا في نشر الإسلام والعلوم في المغرب ثم نحو أوروبا. وأصبح جامع القرويين الشهير أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى...."" وبذلك تصبح فاطمة بنت محمد الفهري القيرواني المعروفة بأم البنين الفهرية هي مؤسسة أول جامعة عربية إسلامية في هذه البلاد، وماتت السيدة فاطمة - رحمة الله عليها - نحو 266 - 880م، وبقي ذكرها خالداً بهذا البناء لتكون نموذجاً واقعاً لنا لنسأل أنفسنا ماذا فعلنا بما وهبنا الله إيَّاه، وهل سعينا ليكون لنا ذكر خالد عند الله تعالى وبصمة في بناء هذه الأمَّة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …