بالنظر إلى معادلة أنَّ رمضان..شهر أنزل فيه القرآن.. و أنَّه أول آية من القرآن ..هي اقرأ..تكون النتيجة الطبيعية أن رمضان واقرأ..لا ينفصلان..
معادلة رياضية بسيطة تتكوّن مدخلاتها من معلومات نعرفها منذ نعومة أظفارنا، تلقيناها وحفظناها ورددناها، وما نزال نتناقلها جيلاً بعد جيل.
ولكن "المعلومة" تفقد روحها عندما تتحوّل إلى مجرّد "كلمة" تنطق..تحفظ..ويتم تردادها فقط، إنَّ ماء الحياة لأي "معلومة" هو أن تتحوّل إلى واقع ..إلى تطبيق بل إلى منهج حياة..
أول آية..أول أمر:
نعم إنَّها أول آية {اقرأ}، ولكننا إذا طلبنا من أي أحد أن "يعرب" لنا كلمة "اقرأ" لكان من السهل عليه قطعاً أن يقول: إنه (فعل أمر)..نعم، فعل أمر، إنَّه الأمر الأول من السَّماء، إنَّه الأمر الأوَّل من الله سبحانه وتعالى إلى نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الذي أذن الله له أن يكون "رحمة" للعالمين، وأن يخرج النَّاس من الظلمات إلى النور.. القراءة إذن رحمة..القراءة إذن منجاة من الظلمة إلى النور..
يقول الدكتور أحمد خيري العمري في كتابه الرائع (البوصلة القرآنية): "ولا يدري أحد على وجه التحديد في أي مرحلة من مراحل العلم سنكون اليوم لو لم تُقل تلك الكلمة..لكن الذي حدث أن تلك الكلمة التي قيلت في الغار همساً صارت شعاراً لحضارة ومنهاجاً لحياة وأول ما أنزل من كتاب سيتخذ من الفعل ذاته {اقرأ} اسماً يتلى ويتعبد به في تصور وعقول أتباعه".
ماذا أقرأ في رمضان؟
يتسابق الجميع في رمضان على ختم القرآن مرَّة تلو الأخرى، وهو تنافس في الخير جد جميل، ولكن يجب أن لا يخلو برنامج القراءة في رمضان من قراءات أخرى، السّر فيها أنّها تعمق فهمي للقرآن ولما يريده القرآن مني كمسلمة عابدة من مهامها إعمار الأرض بدين الله والقيام بمهام الخلافة. لذا لا بد أن يكون مرافقاً لقراءتي لكتاب الله عزّ وجل قراءات متعددّة نقترح منها:
- قراءة في التفسير، وليكن لك أختاه قراءة في نوعين من التفسير، تفسير المعاني وأسباب النزول وغيرها، وتفسير آخر للوقوف على ظلال الآيات وإشراقاتها.
- قراءة في الحديث، ولا بأس أن تكون أحاديث مختارة ومنتقاة، أو أن تبدئي بقراءة كتاب كامل في الحديث كأحد الصّحيحين مثلاً أو جامع العلوم والحكم.
- قراءة في الفكر الإسلامي، وكتب الفكر متنوعة، اختاري منها ما يستهويك من موضوعات، فمنا من تحب الكتابة الأدبية، ومنا من تحب كتب الفلاسفة وعلماء النفس إلى غير ذلك.
- قراءة في التزكية، فهناك العديد من الكتب التي تعين في تزكية النفس وترقيق القلب، تخاطب الرّوح وتحلق فيها، فإذا بها تنطلق بهمة إلى العبادة والطاعة.
لماذا نقرا؟
نقرأ لأنّه "أول" فرض نزل من السَّماء إلى الأرض، نقرأ لأنَّه الأمر الذي ألقي إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن أولى الناس باتّباع هذا الأمر من بعده..نقرأ لأننا نولد من جديد كلما ازددنا علماً ووعياً..
نقرأ لأنَّ شخصياتنا وذواتنا تذوب بل تضمحل إن لم يكن لها زاد من القراءة والتعلم..يقول جودت سعيد:"ولكن العلم متوقف على القراءة، فهي رحم العلم التي بها ينمو ويتطور، وإنَّ العلم المحفوظ المعمم هو الذي يولد العلوم الجديدة، وإنَّ العلم يزداد بمقدار ما يتسنمه من هرم واسع مرتفع من العلم المحفوظ المعمم، ولهذا كان أول ما نزل في آخر رسالة من السماء كلمة {اقرأ} قبل أي كلمة أخرى في العقيدة أو الإيمان أو العبادة..ولهذا أيضاً حدّد الله تحصيل العلم بالقلم {علّم بالقلم}..
القراءة ..منهج حياة:
تتصاعد الدَّعوات اليوم في كلِّ مكان بأنَّ هذا العصر هو عصر العلوم والتكنولوجيا، وبأنَّ القوَّة اليوم ليست قوّة السّلاح، بل هي قوة المعلومات التي تتضاعف سريعاً في كل سنة بل في كلّ جزء من السنة، وفي مقابل هذا لا يعقل أن تقفي أختي الحبيبة موقف المتفرّج مكتفية بما حصلته من "علم"! في المدرسة أو الجامعة، فما كان بالأمس طوته مخترعات اليوم، ومن لم يتقدم يتقادم، ومن لم يتجدد..يتبدد..
إنَّ بيتك وزوجك وأولادك بحاجة إليك مثقفة واعية..إنَّ دعوتك بحاجة إليك قارئة عارفة فاهمة.. إنَّ الأجيال التي تخرجينها إلى الأمَّة ينتظر منها أن تحقق العدل على هذه الأرض ولن يقوم بهذه المهام العظيمة إلاَّ من تدفعهم أمهاتهم دفعاً نحو التعلم والقراءة والدراسة والفهم كما فعلت أمهات الرجال العظام على مرّ الزَّمان، وواحدة من أهم قوى الدّفع التي يمكنك أن تمارسيها هي أن تكوني "قدوة" في القراءة في البيت...ليكن لك جلسة تقرئين فيها يعرف من حولك أنَّه وقتك المخصص لقراءة اليوم، ولينظر أولادك إليك وأنت تشترين الكتب وتصحبينهم إلى معرض الكتاب أو المكتبة ليقوم كلٌّ منهم بشراء واختيار كتابه الخاص..
وفي رمضان:
نعم، وفي رمضان، للقراءة طعم مختلف إذا كانت في سبيل النهوض بالنفس وتحقيق الفائدة للذات وللآخرين، فأنت مأجورة بكل معلومة تكتسبينها تطورين بها ذاتك وتسعدين بها من حولك، فلا تبخلي على نفسك بهذا الزاد.
مرفق: ملف PDF بعنوان رمضاني والقراءة ننصحك بتحميله وقراءته..
www.basaer-online.com/up/ramdany_AbedAlmajeed.pdf
للاستزادة:
البوصلة القرآنية - د. أحمد خيري العمري
اقرأ وربّك الأكرم - جودت سعيد