إنَّ اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وعلى الرَّغم من مكانتها المرموقة إلاَّ أنَّه يلاحظ غيابها عند الأطفال والشباب، إلى جانب انتشار اللهجات العامية التي تسمع ليل نهار من أفواه المتشدقين بها يستوي في ذلك المتعلّم والأمي، بينما العربية الفصيحة لا تسمع إلاَّ قليلاً وفي مجالات محدودة.
لكن بعد ظهور العديد من قنوات الأطفال الناطقة باللغة العربية الفصحى كقناة "براعم" وغيرها بدأنا نلاحظ تشبّث الكثير من الأطفال بتلك اللغة في سن مبكرة، حتى أنَّهم أصبحوا يجيدون التحدث بها أفضل من آبائهم كونهم يتأثرون بما يدور حولهم وبما يشاهدونه من برامج للأطفال وأناشيد، وهذه البوادر مبشرة بظهور جيل جديد يحترف اللغة الأصيلة، ويحميها من أعداء الإسلام الذين يريدون أن يلغوا أيَّ شيء له علاقة بالقران والسنة النبوية، لكن تلك الفئة من الأطفال صدمت بالسخرية ممن حولهم صغارا وكبارا، فكيف يمكن ترسيخ ونشر اللغة العربية ليتم التحدث بها على كافة الأصعدة، وكيف يمكن تشجيع الأطفال منذ نشأتهم على ذلك؟
تجسيد اللغة الذهنية
الدكتور وليد شبير الاختصاصي الاجتماعي قال لـ"بصائر": "إنَّ الكلام يعد بوصفه نمطاً من أنماط تجسيد اللغة الذهنية، والكشف عنها هو المكتسب الذي يسعى الطفل إلى تحقيقه، قصد إثبات ذاته والبرهنة على وجوده، لكن بعض العوامل النفسية والاجتماعية قد تكون سبباً في إضمار هذه الحوافز النطقية، كالأمراض الكلامية والعيوب النطقية، التي كثيراً ما تقف عائقاً أمام شريحة واسعة من الأطفال، غير أنَّ فئة منهم تعمل على تخطي مثل هذه العقبات التي تمثل سدّاً منيعاً أمامهم".
وأشار شبير إلى أنَّ عملية إنتاج الكلام عند الطفل تسبق تصوراته الذهنية، "فهو يتمتع بالثرثرة الكلامية التي لا تدل على معاني واضحة، فالوسط الاجتماعي المتمثل بالأسرة هو الذي يكسبه هذا المعجم المفرداتي، وذلك عن طريق التقليد المباشر لكلام المتحدثين".
وأضاف شبير إلى أنَّ الطفل اليوم أصبح عاجزاً عن تعلّم أنظمة اللغة الفصحى، "وكان ذلك نتاج واضح نشهده في عالمنا، وليس فقط عند الأطفال ولكن عند الشباب عموما الذين يبتعدون عن أصولهم العربية الإسلامية، ليحاكوا الأنماط الأخرى لثقافات مختلفة انجذبوا إليها".
ذاكرة الطفل
وأكَّد شبير على أنَّ ذاكرة الطفل قوية وتمكنه من حفظ كل شيء حوله. مبيّناً أنَّ سن الحفظ الذهبية عندهم تبدأ من الخامسة حتى العقد الثاني من عمره، "وبالتالي هذه المرحلة مهمّة جدّاً لتعليم الطفل اللغة العربية الفصحى، ويكون ذلك من خلال تشجيع الأهل لهم على تعلّمها عن طريق مساعدتهم في حفظ القران، لتكوين حصيلة كافية للكلمات العربية، وإعطاء الطفل فرصة لقراءة ما يحب وعدم الضغط عليه".
ولفت إلى ضرورة إرسال الطفل إلى المدارس التي تهتم بتعليم العربية الفصحى، "فكثير من الأهل يتهاونون بذلك، حتى يلغى كل ما لدى الطفل من معاني جميلة لديه"، على حدِّ وصفه. اللغة العربية هي الرباط الوثيق الذي يجمع ملايين المسلمين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، وأنَّه لم يسبق وجود عقيدة مبنية على التوحيد أعظم من عقيدة الإسلام التي اقتحمت أسيا وإفريقيا، وبثت عقائده وشرائعه.
المحافظة على القيم
وأردف شبير قائلاً :" إنَّ حماية اللغة العربية نابعة من قيمنا الإسلامية السامية التي تحث على المحافظة على اللسان العربي الأصيل".
ونوَّه إلى أنَّ هناك الكثير من الناس يغارون على قرآنهم ودينهم، "فالعمل على تأصيل هذه اللغة بات واضحاً من قبل بعض المؤسسات والهيئات ووسائل الإعلام أيضاً، التي تعرض البرامج التربوية التي تتحدَّث العربية، وبرامج الأطفال التي تنشأ جيلاً واعياً ومحترفاً للغة العربية".
وبيَّن شبير أنَّ وسائل الإعلام الناجحة هي من تربي وتنشأ، لأنَّ الطفل مستمع جيّد لها، فإن أرادت أن تمنحه فرصة ليعيش معها في عالمها منحت له فرصة لخوض مناحي اللغة العربية، لتسهل عليه تلك المهمة، لأنَّ تربية النشأ تبدأ من خلالهم لحب الطفل لهذا العالم الجميل.
غياب اللغة العربية
ومن جانبه، أكَّد الدكتور أسامة حمدونة أستاذ علم النفس في جامعة الأزهر بغزة على أنَّ غياب اللغة العربية في مجتمعنا من ناحية، وانتشار الدعوة إلى العامية من ناحية أخرى، يعكس تماماً عمق الأزمة الحضارية التي يعاني منها المجتمع الإسلامي، والذي انعكس بدوره على صعوبة تواصل الأجيال مع تراثها، وعدم قدرتها على فهم القران الكريم بشكل سليم.
وأضاف حمدان : إنَّ غياب اللغة العربية عند كثير من الشباب اليوم وتفضيلهم بشكل كبير للغة الانجليزية ولغات غربية أخرى، وخلطهم ما بين العربية والغربية ما هو إلاَّ دليل واضح على مدى الاستهتار بهذه اللغة الأمر الذي عمل على ضياعها وضعفها عند الشباب، ودليلٌ أكيد على التبعية للغرب. موضحاً في الوقت ذاته أنَّ هذا التهاون بلغتنا انتشر وتغلغل داخل البلاد الإسلامية الأمر الذي قد يفقدها هويتها .
واستغرب حمدان من الذين يميلون لاستخدام مصطلحات من لغات أخرى في حياتهم اليومية، مبينا أن بعض العائلات يخاطبوا أطفالهم باللغة الانجليزية، ويلحقونهم بمدارس مسيحية تنصيرية كونها تهتم باللغة الانجليزية وتحدثهم بها في المدارس.
التقليد الأعمى
ورأى حمدان أنَّ ما يحدث هو تقليد أعمى ينم عن جهل مطبق وعدم وعي بأهمية لغتنا واكتسابنا هويتنا منها، موضحاً أنَّ من يقوم بذلك يتخيل أنَّه يصل بنفسه إلى مصاف المتقدّمين والى العالمية، ولكن على العكس تماماً، "فنجد أن علماء ومفكرين ومبدعين عاشوا أغلب سنوات عمرهم خارج بلادهم، وهم أكثر تمسكاً والتزاماً بلغتهم العربية".
وأوضح حمدان أنَّ اللغة العربية هي الرباط الوثيق الذي يجمع ملايين المسلمين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، وأنَّه لم يسبق وجود عقيدة مبنية على التوحيد أعظم من عقيدة الإسلام التي اقتحمت أسيا وإفريقيا، وبثت عقائده وشرائعه.
محاولة إضعاف العربية
وأردف حمدان قائلا:" إنَّ الكثير من المستشرقين حاولوا إضعاف اللغة العربية، والتقليل من شأنها ليثبتوا أنَّ الإسلام ليس جديراً بالمسلمين، لينقصوا من مكانة لغة الإسلام والقران، وليحاولوا جاهدين النيل من عروبتنا، ولكن كان الإسلام متصدياً بارعاً لهذه الهجمات العدائية، وحاول التكيف مع كل الظروف والمستجدات من حوله".
وختم حمدان حديثه برسالة إلى المسلمين والذين يخافون على عراقتهم ومكانة الإسلام في قلوبهم، أنَّ اللغة العربية في خطر محدق بها، لذلك يجب حمايتها والإيمان بها، لأنَّها مصدر فخر للأمَّة ودليل على انتصارها وكرامتها.