أكَّد الدكتور محمد كمال إمام، أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية أن عالمنا العربي والإسلامي تحيط به ظروف اجتماعية و دولية و سياسية قد تجعل من غير الملائم أن نبدأ دفعة واحدة بتطبيق مجمل الشريعة الإسلامية بأحكامها المختلفة
وقال أنَّ الأحكام الشرعية مربوطة بالاستطاعة والوسع {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:286] وأيضاً لا يكلف مجتمعاً إلاَّ وسعه، لأنَّه إذا جاز هذا الأمر في مجال الفرد من أجل الحرص على الفرد فبالتالي يكون جائزاً في إطار الجماعة من أجل الحرص على مصالح الأمة الإسلامية ، مشيراً إلى أن التطبيق الجزئي للشريعة هو تطبيق ينصرف إلى واقع الحال للظروف الواقعية موضحا خلال استضافته في برنامج " الشريعة والحياة " على فضائية الجزيرة مؤخراً أنَّ بعض الأحكام الشرعية مثل " منع السرقة " جاء التحريم مباشرة، و درجة واحدة، وبعض التشريعات التي تحتاج إلى تغيير العادات جاء التحريم فيها على درجات
فعلى سبيل المثال القرآن الكريم ذم الخمر مرتين قبل أن يحرمها في الثالثة، والصلاة كانت في البداية صلاتين ثم أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة، ذلك أنَّ الله أعلم بعباده وأعلم بقدراتهم وأعلم بأنَّهم إذا ما نزلت عليهم الشريعة دفعة واحدة فقد لا يتحملونها، وليس في الدين حرج وليس في الدين إلاَّ اليسر، فما خيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلاَّ اختار أيسرهما وبالتالي إذن نحن في مجال هذه القواعد التي تتعلق بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة نقول: إنَّ الإسلام جعل النسخ في داخل الفترة التي كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، و النسخ غير التدرج
وأشار إلى أنَّ التدرج يتم بعد عصر الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ووجد كسبب للمشروعية في عصر الرَّسول صلى الله عليه وسلم، أمَّا النسخ فهو رفع حكم سابق بدليل لاحق، وبالتالي هذا الرفع لا يكون إلاَّ من رسول الله، ولا يبلغه إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لأمر الله ولا نسخ بعد ختام الرسالة وبعد صعود الرَّسول إلى الرفيق الأعلى. وأضاف والقرآن الكريم ذاته نزل تدريجياً حتى يستطيع المسلمون أن يستوعبوا أحكام شريعتهم ولذلك لم ينزل القرآن دفعة واحدة وكان إذا أراد الله وشاء أن ينزله مرة واحدة لأنزله مرة واحدة ولكنه يريد أن يعرفه الناس وأن يستوعبوه وأن يتهيّؤوا له
كانت تنزل الآية أو الآيتين ولا تنزل السورة الكاملة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشرح هو هذه الآيات للمسلمين ويحفظ المسلمون هذه الآيات ويفقهونها، وهو بذلك يمثل مشروعية للتدرج لكن التدرج في عصر الرَّسول صلى الله عليه وسلم
وأضاف كانت تنزل الآية أو الآيتين ولا تنزل السورة الكاملة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشرح هو هذه الآيات للمسلمين ويحفظ المسلمون هذه الآيات ويفقهونها، وهو بذلك يمثل مشروعية للتدرج لكن التدرج في عصر الرَّسول صلى الله عليه وسلم هو تدرج في الخطاب الشرعي، أمَّا التدرج في أيامنا وفي عصرنا فهو التطبيق الجزئي لأحكام الشريعة الإسلامية . وأشار إلى إنَّ القول بأنَّ أحكام الشريعة " تاريخية " قول يؤدِّي إلى الانفصال عن الإسلام، فالإسلام دين للبشرية جميعاً وأحكامه باقية حتى يرث الله الأرض ومن عليها مؤكدا على أنَّ تطبيق هذه الأحكام له ظروف واقعية ينبغي أن تنظر سواء كان التطبيق متعلقاً بالفرد أو بالجماعة، فلا بد أن ننظر في أحوال الناس، وأن يشترك في النظر في هذه الأحوال ليس رجل القانون وحده وليس رجل الشريعة وحده وإنَّما رجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام
كل هؤلاء ينبغي أن يجتمعوا حتى يتم تطبيق الشريعة تطبيقا صحيحا يحقق المقاصد الشرعية من نزول الأحكام لأنه قد يكون الحكم الواجب تنزيله إذا ما نزل على فرد معين لا يحقق مقاصد الشريعة ولا يحقق الغرض المقصود منه ومن هنا كان موقف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في عام الرمادة في موضوع السرقة وكان أيضا موقف عمر بن الخطاب في المؤلفة قلوبهم والنصوص هنا نصوص شرعية قاطعة، القرآن الكريم {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: 38]، ومن ثمَّ فإنَّ تغير العصر لا يعني الامتناع عن تطبيق الشريعة الإسلامية بأحكامها التي نزلت في عصر الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم ويأتوا بشريعة عقلية جديدة، وإلاَّ فإنَّهم ينفصلون عن الإسلام.
موضحاً أنَّ التدرج لم يكن سياسة عامة ولكن كان توجيهاً عاماً، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن أرسله وكلفه بأن لا يشق على الناس وأن يتدرج في تطبيق الشريعة وأن يتدرج في الدعوة إليها. وأضاف : المسلمون عاشوا قروناً طويلة تحت الشريعة الإسلامية وتحت مظلة أحكامها ولم يتكلموا عن تدرجها، لكن عندما حدث انفصال ما بين الواقع وبين الشريعة واستبعدت الشريعة على مدى قرنين أو ثلاثة من الزمان في أغلب الدول الإسلامية، أصبح العودة إلى تطبيقها مرَّة أخرى في ظروف فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية ودولية جديدة . وأضاف : حينما يتم التدرج الآن إنَّما يتم سياسة شرعية وبقرار وبسلطة من ولي الأمر، لأنَّه يريد أن لا يفاجئ الناس، فعلى سبيل المثال نجد أَّن الخليفة عمر بن عبد العزيز ذهب إليه ابنه، وقال له: لماذا لا تلزم الناس بالأحكام دفعة واحدة؟ فإذا بالخليفة عمر بن عبد العزيز يقول له: إن إلزامهم بها دفعة واحدة قد يؤدّي إلى أن يبعدوا عن الإسلام، وقد تحدث الفتنة، فقد راعى أنَّ التطبيق العملي له ظروفه واقعية ينبغي لولي الأمر مراعاتها.
ولي الأمر في عصرنا الحالي عليه أن يختار قانوناً يلائم مصالح الناس يحقق مقاصد الشريعة ولا يشق عليهم . وقال الداعية الإسلامي الدكتور أحمد الريسوني: علينا أن نختار في مجتمعاتنا بين التطبيق الكامل والتطبيق المتدرج؛
وأشار إلى أنَّ ولي الأمر في عصرنا الحالي عليه أن يختار قانوناً يلائم مصالح الناس يحقق مقاصد الشريعة ولا يشق عليهم . وقال الداعية الإسلامي الدكتور أحمد الريسوني: علينا أن نختار في مجتمعاتنا بين التطبيق الكامل والتطبيق المتدرج؛ أي بين التطبيق الناجح المتدرج وبين الفشل الكامل فليس هناك نجاح دون تدرج، فالقفز على التدرج أو محاولة القفز عليه إنَّما هو قفز في الحفرة وفي الهاوية هذه مسألة محسومة ولا ينبغي الخضوع لها لا بد من التدرج ومن يدَّعي غير التدرج فإنه مزايد وإلاَّ فهو غافل يبحث عن الفشل المحقّق. موضحاً أننا نعيش في عالم واقعي تأثر بمؤثرات مختلفة داخلية وغربية وحدثت فجوة بين الشريعة والواقع وهذه الفجوة الحمد لله أنَّها لم تصل إلى جفوة؛ بمعنى أنَّ العالم العربي استرد عافيته الروحية وقدراته على الثورة وقدراته على البقاء، وكل هذا يصب في مجال العودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً حسناً، فلم يعد هناك مجال للقول بما قيل عند بعض الدعاة بأنَّهم ينبغي أن نطبق الشريعة الإسلامية جملة واحدة، وقال : ما نريده هو نجاح هذه التجربة نجاحاً حقيقياً يحقق مصالح الناس.