لقد أمرنا الله عز وجل بمحاسبة النفس أولا بأول حتى يكون الإنسان على بصيرة من أمره فقال تعالى: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14، 15]، وقال تعالى: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ} (الحشر: 18).
ولقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين الأوائل على المحاسبة الذاتية وصدق المراقبة فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف يوم الحساب حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت يوم القيامة وقفاته. كما روى شداد بن أوس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى" (متفق عليه) ومن أقوال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيئوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وإن كان المسلم عليه أن يحاسب نفسه فى كل الأوقات، فإنه من الأحرى أن يتعهد ذلك فى رمضان موسم العبادات والطاعات والأعمال الصالحة، فعليه أن يغتنم كل لحظة فيه ليكسب الأجر الذى وعده الله به وهو الرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ ولذلك يجب أن يكون له ورد يومى يحاسب نفسه عما قدم من أعمال صالحة؟ وما فاته؟ فماذا يسأل المسلم الصائم نفسه؟ وكيف يقوّم نفسه ليكون على الطريق المستقيم؟.
1- هل استحضرت نية الصيام بأن يكون لله إيمانًا واحتسابًا؟
يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه، ويقول كذلك صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).
2- هل أديت الصلوات الخمس فى جماعة خاشعًا مستحضرًا عظمة الله؟
يقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (البقرة: 103)، ويقول سبحانه وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أى العمل أحب إلى الله قال: "الصلاة على وقتها" (متفق عليه)، ويقول صلى الله عليه وسلم كذلك: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم ترتكب الكبائر" (رواه مسلم).
3- هل تواظب على صلاة القيام فى جماعة؟
يقول الله عز وجل فى وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان: 64)، ويقول: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} (السجدة: 16). ويقول الرســول صلى الله عليــه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).
4- هل صليت صلاة التهجد فى رمضان؟
يقول الله عز وجل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (الإسراء: 79)، {وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات: 18)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد "ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلك على أبواب الخير؟: الصوم جنُة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل فى جوف الليل" (رواه الترمذى).
5- هل أكثرت من قـــــراءة القــــــرآن فى رمضان؟
يقول الله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أى رب منعته الطعام والشهوة فشفعنى فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعنى فيه، قال فيشفعان" (رواه أحمد).
6- هل التزمت بآداب الصائمين فى رمضان؟
يقول الله تبارك وتعالى فى وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (الفرقان: 72). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنى امرؤ صائم"، "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه".
7- هل اجتهدت فى الدعاء وأنت صائم؟
يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين" (رواه الترمذى).
8- هل اتقيت الله فى كسبك وطعامك حتى يستجاب لك؟
يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (سورة البقرة -267)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به" (رواه الترمذى وحسنه)، وسأل سعد بن أبى وقاص رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أكون مستجاب الدعوة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" (رواه الطبرانى).
9- هل استغفرت الله وتبت توبة نصوحًا فى شهر الغفران؟
1. يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال: 33)، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (النصر: 4). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قال: أستغفر الله الذى لا إله الاّ هو الحى القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فرّ من الزحف" (رواه أبو داود).
10- هل تعاونت مع إخوانك على البر والتقوى فى رمضان؟
يقول الله تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة:1). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "هو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزاد فى رزق المؤمن، من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شىء، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصــــائم، فقال صلى الله عليه وســـلم: يعطى الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على تمرة، أو شــــــربة ماء أو مزقة لبن" (رواه البيهقى وابن خزيمة فى صحيحه).
11- هل نويت الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان؟
يقول الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (البقرة: 187)، {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (البقرة:125). وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها: "أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله" (رواه البخارى ومسلم).
12- هل تَحَرّيْتَ ليلة القدر وأقمتها فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان؟
يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 1-3)، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} (الدخان: 3). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر فى الوتر من العشــــــــر الأواخر من رمضان" (رواه البخارى)، و"من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه البخارى)، وعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: يا رسول الله أرأيتَ إن علمتُ أَىّ ليلةٍ ليلة القدرِ ما أقول فيها؟ قال: "قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى" (رواه الترمذى).
13- هل أكثرت من الصدقات فى رمضان؟
يقول الله تبارك وتعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (الذاريات: 19)، ويقول ابن عباس رضى الله عنهما: "كان النبى صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فَلَرَسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل، أجود بالخير من الريح المرسلة" (متفق عليه).
14- هل أديت زكاة الفطر؟
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (المعارج: 24 – 25)، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} (التوبة: 103). ويقول ابن عباس رضى الله عنهما: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين" (رواه أبو داود)، ويقول ابن عمر رضى الله عنه: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين" (متفق عليه).
--------------------------------------------
* الأستاذ بجامعة الأزهر