ليس أخطر على الأمَّة الإسلامية من التقاطع والتدابر، فقد جعل المولى تبارك وتعالى قطع الأرحام من الإفساد في الأرض، فقال سبحانه:{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}. (محمَّد:22). قال الإمام البيهقي في شعب الإيمان : (ثمَّ أتبع ذلك الإخبار بأن ذلك من فعل من حقت عليه لعنته فسلبه الانتفاع بسمعه وبصره فهو يسمع دعوة الله ويبصر آياته و بيّناته فلا يجب الدَّعوة ولا ينقاد للحق كأنه لم يسمع النداء و لم يقع له من الله البيان و جعله كالبهيمة أو أسوء حالاً منها فقال: {أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}).
وقال الإمام القرطبي في تفسيره قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} ظاهر في صلة الأرحام، وهو قول قتادة وأكثر المفسرين، وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات. {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} قيل: في قطع الرحم. وقيل: في جميع المعاصي).
ليس أخطر على الأمَّة الإسلامية من التقاطع والتدابر، فقد جعل المولى تبارك وتعالى قطع الأرحام من الإفساد في الأرض
لقد أدرك نبيّنا صلَّى الله عليه وسلم أهمية التآلف والترابط وصلة الأرحام في توحيد كلمة المؤمنين وصفهم، حيث وجّه أمته إلى صلة الأرحام، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سرَّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه)).
قال القاضي عياض: (بسط الرِّزق : سعته، قيل ذلك بتكثيره، وهو الأظهر، وقيل بالبركة فيه . والنسأ : التأخير . والأثر : الأجل . سمّي بذلك لأنه تابع الحياة . ومعنى التأخير هنا في الأجل - مع أنَّ الآجال لا يزاد فيها ولا ينقص، وهي مقدّرة في علم الله - قيل : هو بقاء ذكره الجميل بعده على الألسنة موجوداً، فكأنَّه لم يمت) .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ((الرَّحِمُ معلَّقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله)).
في شرح صحيح مسلم للنووي: (قال القاضي عياض ولا خلاف أنَّ صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة . قال : والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة؛ فمنها واجب ومنها مستحب، لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمّى قاطعاً ولو قصَّر عمَّا يقدر عليه وينبغي له لا يسمَّى واصلا).
قال القاضي عياض ولا خلاف أنَّ صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة . قال : والأحاديث في الباب تشهد لهذا
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي أيوب رضي الله عنه أنَّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلّم أخبرني بعمل يدخلني الجنة . قال النبيّ صلَّى الله عليه وسلّم : ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرَّحم)).
قال الإمام العيني في شرح البر والصلة: (البر في حق الوالدين وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل ضد العقوق وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم . يقال: برّ يبر فهو بار وجمعه بررة وجمع البر أبرار. والصلة هي صلة الأرحام وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم وكذلك إن بعدوا وأساؤوا).
فصلة الرَّحم والإحسان إلى الأقارب والجيران من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)).