أكَّد الدكتور حاكم المطيري الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة الكويت أنَّ تولّي المسؤوليات العامة السياسية أحد أنواع الجهاد في سبيل الله كما في الحديث عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ((ما من أمير يوليه الله، أو ما من أمير يتولى على المسلمين ثمَّ لم يجهد لهم ولم ينصح، إلاَّ لم يدخل معهم الجنة)).
وأشار خلال مشاركته في برنامج " الشريعة والحياة " على فضائية الجزيرة أنَّ الجهاد مفهوم شمولي عام وهو يصدق على كل جهد واستفراد للوسع يفرضه المكلف في طاعة الله عز وجل بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور، ومن ذلك قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [آل عمران: 102] وقوله تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت: 6] إلى آخر الآيات الواردة في مجاهدة العبد نفسه
مشيراً إلى أنَّ الجهاد بمفهومه الشمولي العام يدخل فيه أيضاً العبادات كما في حديث: ((هل على النساء حج يا رسول الله؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة)) فأداء العبادات على وجهها الأكمل بما في ذلك من جهد على المكلف، هو من الجهاد وكذلك أداء الحقوق الواجبة الاجتماعية وغيرها .
وأضاف: أمَّا الجهاد الخاص الذي وردت فيه النصوص، كما جاء في الحديث: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد)) فقد تسبب ترك الأمة الإسلامية له بعد سقوط الخلافة الإسلامية في نزول الأمة الإسلامية من عليائها عندما كانت تسود العالم وتنشر العدل، إلى أن أصبحت كما هي عليه اليوم في حال ذل كما جاء في الحديث الأثر عن أبي بكر قال: ((ما ترك قوم الجهاد قط إلاّ ذلوا)) . فالأمَّة الإسلامية تركت ذروة السنام ورضوا بالتبعية على النحو الذي هم عليه اليوم ولهذا جاء في الحديث الآخر: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)) فعندما تعطل الجهاد أصبحت الأمة على هذا النحو الذي نراه اليوم, تتكالب وتتداعى عليها الأمم كما في الحديث: ((تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقالوا: أو من قلة نحن يوم إذن يا رسول الله ؟ قال لا بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، حب الحياة وكراهية الموت))
موضحاً أنَّ الأصل في الجهاد الخاص أن يكون مع العدو الخارجي، لأنَّ الأصل في دار الإسلام أن تكون دار أمن وعدل، ومن ثمَّ عندما فقدت دار الإسلام هذا الوصف في هذا القرن بعد سقوط الخلافة حصل هذا الخلل
وأشار المطيري إلى أنَّ المال هو أحد صور الجهاد في سبيل الله، فقد جاء في الحديث: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم )) فالمال قدم في النصوص القرآنية كما في قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف: 10-11] . موضحاً أنه في بعض الأحيان لا يكون هناك نقص في الرِّجال وإنَّما يكون النقص في المال، كما يجري اليوم في سورية لو توفر للشعب السوري الدَّعم المالي لما طالت الثورة سنة ونصف، وهي تعيش هذا الحصار الذي فرضه العالم أجمع، فالشعب السوري اليوم لا يحتاج إلاَّ إلى الدَّعم المالي، فلا ينقصه الرِّجال لتغيير هذا النظام الإجرامي الذي يسومه سوء العذاب، والمال هنا أوجب على الأمة , لذا يجب على أهل الأموال وعلى الأمَّة أن تدعم الشعب السوري بكل الإمكانات المادية المتاحة، وتجاوز هذا الطوق الذي فرضته القوى أجمع على الشعب السوري، وهذا كله يدخل من باب فرض الكفاية على الأمة بل هو فرض عين على من يستطيع ولا يفعل، حتى يفعل وحتى يرتفع هذا العدوان عن الشعب السوري.
لقد أجمع أهل العلم على أنَّه إذا تخلت السلطة أو طرأ عليها تغيير وخروج عن حدود قطعيات الإسلام، وجب إجماعا تغييرها والخروج عليها، وقد نص على ذلك القاضي عياض، وقال: إنه يجب مجاهدة الإمام إذا طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع
وأضاف المطيري : لقد أجمع أهل العلم على أنَّه إذا تخلت السلطة أو طرأ عليها تغيير وخروج عن حدود قطعيات الإسلام، وجب إجماعا تغييرها والخروج عليها، وقد نص على ذلك القاضي عياض، وقال: إنه يجب مجاهدة الإمام إذا طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع، فهذا محل إجماع, فالولاية إنَّما تكون كما في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59] . فإذا لم يكن من أهل الإيمان ليس له ولاية كما قال القاضي عياض، إذا طرأ عليه كفر أو تغيير للشَّرع، خرج من الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه.
وفي مداخلة هاتفية قال الدكتور أحمد الريسوني، الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي: إنَّ حصر القتال والجهاد في أنَّه لا يكون إلاَّ بين المسلمين والكفار غير صحيح، فهناك عدَّة آيات وعدة أحاديث أيضا تنصّ على احتمال مقاتلة من هم منتسبون للإسلام، أو كانوا ينتسبون للإسلام، أو يحكمون باسم الإسلام، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن , وأضاف: وهناك أيضاً قتال أهل البغي، وهو معروف ومنصوص عليه، وقد وصف القرآن كلتا الطائفتين بالإيمان: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تبغي}[الحجرات:9]، وهو وصفها بأنَّها مؤمنة، فقتال المسلمين قتال مشروع خاصة إذا كان هناك عدوان على الأنفس وصولة على الضعفاء، لوضع حدٍّ للفتنة وللبغي، وللظلم، وللعدوان، وللصيال أو الصولة على المستضعفين.
وشدَّد على أنَّه من أوغل في اعتدائه على المسلمين وقتلهم، يأذن له الشرع بألاّ يقف الإنسان مكتوف الأيدي أمام ظالم متجبِّر، مصرّ على ظلمه، فالإسلام يدعو إلى العفو في ما إذا كان القتل نفسه أو العدوان أو الإذاية غلطاً، وفلتة من بعض الناس هذا إذا رجعوا واعتبروا، العفو يكون أفضل، لكن المتمادي في عدوانه ولو كان فرداً أو مجموعة صغيرة متمادية في بغيها فيجب كسر شوكته وإيقاف ظلمه .