د. محمد المجالي: العبادة ليست مقصورة على شهر رمضان بل في كل الشهور والأيام

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » د. محمد المجالي: العبادة ليست مقصورة على شهر رمضان بل في كل الشهور والأيام
alt
كعادته رمضان .. نقضي أيامنا وليالينا انتظاراً لحلوله ثم يمضي في عجل وكأنه غير سعيد في ديارنا .. يشد الرحال ذاهباً .. ويمضي مُضي أعوامه السالفة ..
وها هو موسم رمضان قد شارف على الانتهاء، فهل من مدرك نفسه لتكون من المقبولين وممن تعتق رقابهم من النار؟؟ وكيف سنودع تلك الليالي والأيام؟ وكيف سنعرف علامة القبول والرضا والمغفرة ؟؟
بصائر استضافت الأستاذ الدكتور محمد المجالي أستاذ الشريعة الإسلامية وعميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، فإلى نص الحوار:
بصائر: مع قرب انتهاء العشر الأواخر من رمضان؛ هل لنا أن نستذكر برفقتكم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته يحيون هذه الأيام .. وإلى ماذا توجه جموع المسلمين في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل ؟

د. محمد المجالي: هذه العشر من أيام الله تعالى؛ ورمضان كله موسم خير كما أخبر الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه، وكما أخبر ربنا تبارك وتعالى عند ما ذكر فرضية الصيام وأن ثمرته وغايته هي التقوى وعندما حثنا النبي على أن نحاول قدر الإمكان أن لا نخرج من هذا الشهر إلا بذنب مغفور وتوجيهه بصيام رمضان إيماناً واحتساباً حيث قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً عفر له ما تقدم من ذنبه" ومنح من فاته هذا الأمر ولم يدركه فرصة أخرى عندما قال: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" ثم قال: من قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه.
و كأن النبي الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه يريد منا ويحب لنا أن لا يخرج أحدنا من الشهر إلا وهو بذنب مغفور، كان صلى الله عليه وسلم قد صعد على المنبر يوماً وقال ثلاثاً آمين .. آمين .. آمين .. فسأله الصحابة عن قوله ذلك فأجاب: جائني جبريل فقال : رغم انف امرء أدرك رمضان ولم يغفر له .."
كل ما سبق يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب لنا أن لا نغادر الشهر إلا بغفران ذنوبنا كلها، كأنه يقول لك .. يا عبد الله يا مسلم .. يا من تؤمن بالله ..وتؤمن بالرسل وبالكتب وتريد تحقيق إيمانك، يا من تعلم بأن هذه الدنيا ما هي إلا أيام كلما يوم ذهب معه بعضك، كأنه يقول هذا موسم، من لم يستغفر الله ومن لم يتب إلى الله ومن لم يخرج من الشهر الذي تغلق فيه أبواب النيران وتفتح فيه أبواب الجنان عتيقاً فمتى يكون له ذلك؟ هذا الحرص يدل على ملامح الشخصية النبوية العظيمة الرحيمة التي تخشى على أمتها من العذاب.
وسيتوقفني هنا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه لعائشة عندما قالت له: ماذا أقول في ليلة القدر بما معنى الحديث: فلم يجبها النبي إلا بدعاء واحد قد يستصغر شأنه الناس حيث أمرها بأن تدعو : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. العفو ليس مسألة سهلة، فتحقيق العفو يعني العتق من النار، تخيل لو كل واحد منا يمد يده على محفظته مثلا فيجد ورقة مكتوب عليها : براءة من النار والتوقيع من رب العزة .. كلنا يحب تحقيق ذلك، والإستشعار بذلك.
كلنا يحب أن يبدأ صفحة جديدة مع الله، وأن يتجدد نشاطه للعبادة، وأن تُجلى بصيرته وان يكون في علاقة حقيقية مع الله، كل ذلك يمكنك تحقيقه في أيام هذا الشهر الكريم.
وأعود للسؤال مباشرة ؛ لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد المئزر، وهذه كلها كناية على الجد في طلب العبادة، واختصاص العشر الأواخر بالمزيد من الفضيلة كان بسبب وجود ليلة القدر فيها حيث أن عبادة الله في هذه الليلة يوازي عبادته في ألف شهر، أي ما يقارب 83 عاماً .قال تعالى : "ليلة القدر خير من ألف شهر" وهذه الأُعطية كانت لأمة محمد خاصة، حيث كانت الأمم السابقة تُعمر، أما أعمار أمة محمد فهي ما بين الستين والسبعين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقليل منهم من يجوز ذلك.
ويقول عليه الصلاة والسلام: إن لله في أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرضوا لنفحاته" وهذه الليلة المباركة التي قال الله تعالى فيها "سلام هي حتى مطلع الفجر" يطلب فيها الإنسان الرحمة والمغفرة كما يطلب فيها حظه من الدنيا، إذ لا مانع أن يطلب سعادة الدارين، ويحب الإنسان أن يكون قريباً من الله الذي ينزل في الثلث الأخير من كل ليلة نزولاً يليق بجلاله ويقول: هل من سائل فأعطيه .. هل من داع فأستجيب له .. هل من مستغفر فأغفر له.. وهذا في كل ليلة .. فكيف إن اتفق هذا الوقت المبارك مع ليلة القدر؟
الإهتمام بليلة القدر لم يقتصر فقط على زمن الصحابة الكرام والسلف الصالح بل حتى في أيامنا هناك الكثيرون ممن يجدون في تحريها والعمل الصالح فيها، وإن كان الراجح في هذه الليلة هي ليلة السابع والعشرين إلا أنه حري بالمسلم أن يقيم في الليالي كلها .
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيامها والإعتكاف فيها لمن استطاع ذلك.

بصائر: ليلة القدر .. جميعنا يجهد على تحريها، لماذا سميت بهذا الإسم؟ وهل إدراكها يغير في شيء من قدر الإنسان؟ وما هي صفاتها؟ وهل تأتي في نفس الليلة من كل عام أم أنها تتغير في كل سنة؟
د. محمد المجالي: لماذا سميت القدر؟ القدر هو الشرف العظيم، والراجح بأنها سميت بذلك لقدرها، وهناك قول آخر بأن الله يقدر فيها المقادير كما جاء في سورة الدخان "فيها يفرق كل أمر حكيم"، وقيل أيضاً : أن القدر هو التضييق حيث أن الأرض تضيق لكثرة ما يتنزل إليها من ملائكة، قال تعالى : تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر".
لم تنزل الملائكة؟ نزولها يكون من أجل الإستغفار للمؤمنين والترحم عليهم، إن هذه الليلة عبارة عن مهرجان عام بين أهل السماء وأهل الأرض يلهجون فيه بالعبودية الخالصة لله تعالى.
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الأواخر، وفي حديث آخر قال : التمسوها في السبع الأواخر، وفي رواية أخرى قال: التمسوها في الوتر من العشر الأواخر، ومن باب الإحتياط ليقم الإنسان كل ليالي العشر لكي يدركها يقيناً، ودعوني أنوه أنه باعتبار أن الدول تتحكم أحياناً في قضية متى يبدأ رمضان والخلاف القائم بين الرصد والرؤية يجب أن يكون محفزاً لنا لقيامها كلها.
بعض العلماء يقول أن ليلة القدر تتنقل في الليالي الوتر من العشر، لكني لست مع هذا الرأي باعتبار ان الله عز وجل عرّفها، "ليلة القدر " وكأن هناك جزم من صحابة رسول الله بأنها ليلة السابع والعشرين لكن علينا أن نتحراها في كل العشر.
وأبشر نفسي وكل الإخوة .. بقول الله تعالى: سلام هي حتى مطلع الفجر: إن البركة تحف كل هذه الليلة المباركة، وتبدأ هذه الليلة بعد دخول المغرب بنصف ساعة وحتى طلوع الفجر، فمن صلى العشاء ومن صلى السنة ومن صلى التراويح ومن جلس هو مدرك لجزء من ليلة القدر، وليس بالضرورة أن يكون القيام منذ غروب الشمس وحتى مطلع الفجر، من أدرك ذلك وسهر الليل كله فهنيئاً له، ومن أقام بعضها ونام في بعضها فلا حرج عليه، ونذكر أنفسنا أننا بحاجة إلى الدعاء لنا وللأمة الإسلامية جمعاء لذا على المسلم أن لا ينسى إخوانه من دعواته، بل من حق الأمة علينا وحق المسلمين علينا أن ندعو لهم ونخصص جزءاً من دعائنا لهم.

بصائر: ما هي حقيقة الإعتكاف ؟ والدروس المستفادة من سنه؟ وهل للمرأة أن تعتكف في رمضان كما يعتكف الرجال؟
د. محمد المجالي: الإعتكاف كما نعلم جميعاً أصلا نية المسلم كلما دخل المسجد، حتى لو كان دخوله للصلاة، لكن سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، هو الإنقطاع لله سبحانه وتعالى في المسجد، من أيام السنة الـ355 ماذا ستشكل العشرة ايام التي قد أنوي اعتكافها؟ هو نوع من الإنقطاع والزهد وتجديد العلاقة مع الله، الاعتكاف زيادة في طلب الأجر والخير، والعزلة الشعورية مطلوبة للمؤمن، والنبي صلى الله عليه وسلم فعلها وهو غني عنها، لذا على المسلم أن يمنح نفسه عزلة يراجع فيها علاقته مع الله، ويستذكر تقصيره ويحاسب نفسه، كلما كان في صفاء وبعد عن الناس أكثر كلما كان قريباً من قول الله تعالى " بل الإنسان على نفسه بصيرة".
في الإعتكاف عزلة عن معترك الحياة وروتينها ومشاغلها، وهذا يصفي العلاقة مع الله ويجعل الإنسان متابعاً لعلاقته بصورة أفضل.
المرأة إن كانت على طهارة وقد توفر لها مصلى لتعتكف فيه، إلى جانب عدم إخلائها لمسؤولياتها من حقوق زوجها وأطفالها، ومعها إذن من زوجها فلا مانع من اعتكافها وإن كان كره العلماء لها ذلك.

بصائر: هل هناك من علامات تدل بأن المسلم قد قُبل عمله في الأيام الفضيلة؟ وكيف عليه أن يودع رمضان ؟
د. محمد المجالي : من علامات القبول انشراح الصدر؛ الإنسان إذا شعر بقلبه المرتجف ودموعه المنهارة واقشعرار جلده لقوله تعالى: "تقشعر جلود الذين يخشون ربهم" ، والخشية والسكينة والطمأنينة وانشراح الصدر وإحساسه بأنه قد ولد من جديد فلعلها تكون من علامات المقبولين، أما إن كان لا يزال على روتينه وفظاظته وعاداته ومعاصيه وقسوته، لم تدمع عينه خشية وحنيناً، قد تكون هذه علامات مؤسفة.

بصائر: ماذا بعد رمضان؟
د. محمد المجالي: الشوق والعهد مع الله عز وجل، نحن في رمضان بنينا عهداً مع الله عز وجل، وغسلنا ثوباً فأصبح ناصعاً، ليس من الحكمة أن أذهب بثوبي الأبيض لما يلطخه ويدنسه، صحيح أن كل ابن آدم خطاء ولكن خير الخطائين التوابون لذا بعد أن فتحت صفحة جديدة مع الله واستشعرت مسؤوليتي يجب علي أن انتقل إلى مرحلة متقدمة اخرى وأرتقي، ولا أكون ممن ينقضون غزلهم من بعد قوة أنكاثا، الأصل الإستحياء من الله عز وجل وترتيب مسؤولياتي الدينية، ليكن رمضان فرصة لغرس الهمة من أجل بناء إسلامي العظيم، لماذا لا أسعى لتحصل موقع متقدم في الجنة ؟

علي أن أنظر إلى نفسي .. إلى حيث استخلفني الله وطلب مني أن أكون، الحقيقة يجب أن تكون أيامنا كلها رمضان، والعبادة ليست مقصورة في رمضان، لذا فيجب علينا الإستمرار في العمل الصالح والعبادات وتجنب المحرمات في كل أيام الله عز وجل.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • رمضان
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    صحفية في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "السبيل" اليومية الأردنية في قسم الشؤون المحلية والتحقيقات. وكاتبة في مجلة "الفرقان" التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم / الأردن؛ في الشؤون الأسرية والتربوية. وتكتب بشكل متقطع في العديد من المجلات العربية منها؛ البيان؛ الفرقان الكويتي؛ وأجيال السعودية إلى جانب العديد من المواقع الإلكترونية.

    شاهد أيضاً

    حق الملح: هل يقدّر الأزواج جهود زوجاتهم في رمضان؟

    مشهد دافئ في صباح عيد الفطر المبارك يحصل في بعض بيوت المغرب العربي.. صباح العيد …