قال الشيخ الدكتور ناصر العمر رئيس الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم، بأن عدم تدبر القرآن الكريم هو نوع من أنواع هجرانه، وحرمان للأمة للكثير من حلول المشاكل وتحقيق السعادة لها.
و أشار الشيخ العمر في برنامج الشريعة والحياة الذي بثته فضائية الجزيرة الأحد الماضي، إلى أن المقصود بتدبر القرآن الكريم التأمل والتفكر والنظر في مآلات الآيات ودلالاتها وآثارها، بحيث يتحقق التوافق بين اللسان والقلب والعقل مما يؤدي إلى تحقيق الغايات التي أنزل القرآن لأجلها.
من ناحية أخرى نبه الداعية الإسلامي إلى أن التدبر هو صورة مختلفة عن التفسير، فالتفسير خاص بالعلماء و معرفة الأحكام التفصيلية للآيات وما يتعلق بها من أمور، في حين أن التدبر هو ارتباط مباشر بين دلالات الآيات دون الدخول في تفاصيلها.
بين العبادة والتدبر..
وتعقيبا على إكثار الناس من قراءة القرآن في مواسم العبادة كرمضان وغيرها، قال الدكتور العمر إن السلف كانوا يستغلون هذه المواسم في كثرة القراءة، حتى روي عن بعضهم أنهم كانوا يختمون القرآن في كل يوم. مشدداً على عدم إغفال التدبر في باقي الأيام أو عدم القناعة بأهميته. مستدلاً على ذلك بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام إحدى الليالي بآية واحدة، وفي نفس الوقت روي عنه أنه قرأ مجموعة من السور الطوال في صلاته بشكل متواصل.
وأضاف العمر أن بعض السلف كانت له قراءتان، واحدة للتلاوة ومراجعة الحفظ، وأخرى للتدبر والتأمل، بحيث لا تطغى إحدى القراءتين على الأخرى.
وبين د. العمر أن القراءة والتدبر والعمل هي مفاهيم مترابطة، فلا يمكن أن يحصل التدبر دون الإكثار من القراءة، ولا يمكن أن يكون هناك عمل دون تدبر حقيقي في الآيات المقروءة. فالعمل نتيجة حتمية للتدبر.
إلا أنه وضح أن القراءة وحدها دون فهم أو تدبر هي قراءة مذمومة نهى عنها الإسلام، مستنداً إلى أن الله تعالى قد عاب على المنافقين فقال: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [سورة محمد: 24]. إضافة لذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم (مثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر).
وفي المقابل أثنى الله على تدبر أهل الكتاب لكتبهم، فقال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} [سورة البقرة:121] أي يتدبرونه ويعملوا به؛ وذلك لما للتدبر من أهمية، حيث إن عدم التدبر يحول دون الوصول للمقصود من إنزال القرآن، بحيث يصبح القرآن كتاباً للبركة، أو لا يقرأ إلا عند الأموات وافتتاح الحفلات وغيرها من المناسبات كما هو حاصل عند الكثير من الناس.
موانع التدبر ..
وعن الصوارف التي تحول دون تدبر الإنسان للقرآن، قال الشيخ العمر إن هناك نوعان منها، فهناك صوارف أصلية مثل فقدان الإيمان، وظلم الآخرين، والتكبر على الناس والتجبر عليهم. فهذه الأمور وما شابهها تمنع تحقق التدبر للفرد. وهناك صوارف عارضة كحدوث أمر مع الإنسان أو حدث طارئ، وهي ليست ملازمة للإنسان وإنما مؤقتة بذاك الحدث.
وقد نقل الشيخ العمر عن الإمام ابن القيم رحمه الله أن هجر القرآن يتمثل بأنواع خمسة، تتمثل بما يلي:
- من يهجر القراءة بحيث لا يقرأ القرآن مطلقاً.
- عدم تحكيم القرآن على مستوى الدولة والمجتمع وحقوق الأفراد وواجباتهم.
- عدم العمل بالقرآن والتمثل بأخلاقه.
- عدم الاستشفاء بالقرآن، سواء أكان ذلك عبر الرقيا للأمراض البدنية أو علاج أمراض الأمة والمجتمع السياسية والاجتماعية وغيرها.
- عدم تدبر القرآن والتفكر في آياته وتأمله، حيث بين الشيخ أن تدبر القرآن ليس خاصاً بالعلماء، فالعلماء يختصون بتفسير القرآن عن غيرهم، أما التدبر فهو متعلق بعموم المسلمين كل حسب طاقته.
الوسائل المعينة على التدبر
وفيما يتعلق بالوسائل التي تعين على التدبر، أشار د. العمر إلى أن أول هذه الوسائل هي القناعة العقلية بأهمية التدبر وأثره في تحقيق سعادة الإنسان وحل مشاكله ومشاكل المجتمع.
ومن هذه الوسائل قوة الإيمان وزيادته، مبيناً أن قوة الإيمان لها دور كبير في زيادة التدبر والتأثير. وثالث هذه الوسائل انصراف القلب عن الشواغل عند التدبر، بحيث يختار الأوقات المناسبة عند القراءة مثل ما يعقب أوقات الراحة. إضافة إلى البعد عن المحرمات، لقوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف:146] فيجب عن الإنسان أن يبتعد عن ظلم الآخرين، والوقوع في الحرام، وأن يكون ماله حلالاً حتى يحقق التدبر. وآخر هذه الوسائل أن يكون صادقاً مع الله بحيث يرزقه الله التدبر والتأمل، الأمر الذي يزيد في إيمانه ويقينه، ويحقق له السعادة والرضا.
وختم د. العمر حديثه بأن للعلماء وحملة القرآن دور كبير في إقناع الأمة على تدبر القرآن، عبر التخلق بأخلاقه والعمل بأوامره، ليكونوا قدوة للآخرين، وأن يبلغوا رسالة هذا الدين للناس بشكل حقيقي واضح بحيث تصل إليهم جميعاً في مناطق سكناهم المختلفة.
{youtube}jcxha-oD4SE{/youtube}