يعتبر اختيار الكفاءات لتولي المناصب من أكثر الأمور حساسية التي تواجه أية مؤسسة أو حزب أو حتى على مستوى الدولة؛ لما لنجاحه من أثر ملموس على الباقين، ولما لإخفاقه وفشله من تأثير سلبي على سمعة الجهة التي ينتمي إليها.
ويعتبر اختيار الكفاءات واحدا من الأمور المهمة التي تواجه الحركات الإسلامية، خصوصاً بعد وصولها إلى الحكم، وترقب شعوبهم لإنجازاتهم بعد عقود طويلة من الظلم والاستبداد، وفي ظل محاولات إفشال تجربتها من قبل الخصوم السياسيين، أو العوامل الصعبة التي تمر بها البلاد، إلى غير ذلك من الأمور.
إن اختيار الكفاءة لأي منصب، سواء أكان صغيراً أم كبيراً، يعتبر علامة نجاح ونوعاً من أنواع التخصصية ووضوح الهدف والرؤيا، فتحديد الأهداف والغايات من أي عمل، والحرص على إنجاحه يؤدي إلى التأني في الاختيار بما يتوافق مع فلسفة العمل ورؤيته.
كما أن الحرص على سمعة الحركة أو المؤسسة يقتضي وضع الكثير من المعايير والتدابير التي تؤدي إلى جعل العمل من عوامل النجاح وقوة السمعة، ونجاح الفكرة، وإقبال الناس عليها.
صور مرفوضة ..
من ما سبق من تقديم، لابد أن يكون اختيارنا موضوعياً، فلا يكون الاختيار للأكثر كلاماً أو تنظيراً، أو الأكثر عبادة أو اتقاناً للقرآن، بل لابد من التفريق بين الإكثار من العبادات والاستزادة منها، وبين الجاهزية والكفاءة لتولي المنصب وإدارته.
ولا يفهم من هذا التفريق أننا نسعى لفصل التدين عن الكفاءة، لكن لابد من تحقيق التوازن بين التدين والجوانب التربوية من جهة، وبين القدرات والكفاءة من جهة أخرى.
وهذا ما نتلمسه في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو اعتذر لأبي ذر –رضي الله عنه- عن استعماله على إحدى الولايات، حينما طلب الإمارة، فقال له: (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة). رغم أن أبا ذر من الصحابة السابقين، وله تاريخ في الجهاد والتضحية. لكن ومع هذا كله كان نظر النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتصر على تاريخ الشخص دون النظر إلى كفاءته لذاك المنصب. ولهذا حينما غابت هذه الرؤية كانت إحدى العيوب الظاهرة لدى الكثير من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، حينما جعلوا الأساس في الاختيار التاريخ والأسبقية، دون النظر إلى المؤهل والكفاءة، وقدرته على تحمل تكاليف العمل ومسؤولياته.
نحو النجاح..
إن على الحركات الإسلامية اليوم، وهي تنافس للوصول إلى السلطة، أن تعيد صياغة فقهها بطريقة جديدة، وتطور من منهجها، بحيث يكون مدعماً بالكفاءات والخبرات من جميع الجوانب، وأن يكون اختيار هذه الكفاءات مبنياً على فهم لطبيعة الدور والشعور بتبعة المسؤولية التي وضعتهم شعوبهم بها.
وفي سبيل تحقيق ذلك، يحتاج الأمر إلى مجموعة من الأمور، منها:
1- تحديد الاحتياجات التي تنقص الحركة الإسلامية من حيث الخبرات والكفاءات وغيرها، ودراسة الواقع الذي تعيشه بشكل شامل لتقيم مدى أهمية هذه الاحتياجات، وضرورتها على الساحة.
2- حصر الطاقات داخل الأفراد، عن طريق مسح شامل لهم ولمؤهلاتهم، وخبراتهم، وتوزيعهم، وتحديد كيفية الاستفادة منهم، وتطوير هذه الطاقات، إما عن طريق الدورات المتخصصة، أو توجيه البعض لدراسة بعض التخصصات النادرة، والاهتمام بالمميزين منهم، إلى غير ذلك من الطرق التي توجد كفاءات متخصصة في شتى الأمور، وليست مثقفة بها تثقيفاً عاماً فحسب.
3- الاستفادة من هذه الطاقات، عبر اختيارها بشكل دقيق، بعيداً عن الواسطة والمحاباة، بحيث لا يكون الاختيار على الأكثر موافقة، أو ليونة، أو أسبقية، وإنما عبر معايير مهنية تقدم الأنسب والأكفأ لتولي المنصب.
4- أن يكون القائم على الاختيار بين العاملين لديه وضوح في الأسس والمقومات التي على أساسها يتم المفاضلة بين الآخرين، مع فهمه لطبيعة العمل والمهام المناطة به.
5- تقييم العاملين بين الفينة والأخرى، بحيث لا تكون مدة التقييم طويلة، بحيث يتم تحديد جوانب الخلل منذ البداية، لتجاوزها وتعديل الأخطاء، أو تغيير صاحبها، فليس لأي شخص عصمة.