الإخوان .. دعاة لا طلاب سلطة (1-2)

الرئيسية » بصائر الفكر » الإخوان .. دعاة لا طلاب سلطة (1-2)
alt
دائماً يُتهَم أبناء الحركة الاسلامية في ربوع العالم العربي بالسعي للوصول للسلطة وكثيراً ما يتم إحالة المئات من أبناء دعوة الاخوان المسلمين الى المحاكمات بتهمة السعي للوصول إلى السلطة , ولم تكن هذه الاتهامات مستهجنة من جانب النخب السياسية في ظل مناخ صبغ بالفساد والاستبداد وصلت الى حد عدم التورع من اتهام المناوئين لنظام الحكم والمعارضين له بأنهم يسعون للوصول إلى السلطة.

ومع حدوث تطور سطحي في إدراك بعض هذه الأنظمة بأنَّ السعي للوصول الى السلطة ليس جريمة وإنما يجب أن يكون هدفاً لكل حزب أو فصيل سياسي يمتلك برنامجاً لإدارة شؤون البلاد، فأخذت هذه الأنظمة الاستبدادية التي كان على رأسها بالطبع نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك كيل الاتهامات للإسلاميين بأنهم يسعون للوصول للسلطة بالطرق غير الشرعية .

زاد الجدل حول سعي الإسلاميين للسلطة بعد ثورات الربيع العربي وصعود ابناء التيار الاسلامي في هذه البلدان خاصة مع النموذجين المصري والتونسي و قبل ذلك بالطبع نموذج وصول حركة المقاومة الإسلامية حماس الى الحكم في قطاع غزة.

ومع صعود الإسلاميين إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع لأول مرَّة في تاريخ العالم العربي الذي لم يعش تجربة اقتراع حقيقية طوال عقود ما بعد عمليات التحرّر من الاستعمار شنَّ المناوئون للتيار الإسلامي هجوماً عنيفاً على الإسلاميين وعلى تجارب حكمهم التي لم تبدأ حتى يتم الحكم عليها مبكراً، وكالوا اتهامات معلبة بأنَّ الإسلاميين لديهم استعداد للتنازل عن اي شيء مقابل الوصول الى السلطة مستخدمين في ذلك كل اشكال المرواغة وإبرام الصفقات حتى مع قتلة الشعب.

بيد أنَّ من يكيلون هذه الاتهامات لأبناء التيار الاسلامي صنفان:
الأوَّل يتعامل بالمنطلق المكيافيللي الذى يؤمن في جوهره بأنَّ الغاية تبرّر الوسيلة، ويرى أنَّ الاخوان يستخدمون هذا المنهج فيما يدرك الفصيل الآخر أنَّ الإسلاميين ليسوا طلاب سلطة وأن لديهم مشروعاً لخدمه الرؤية الإسلامية الشاملة إلاَّ أنَّهم يصرون على التدليس على أبناء شعوبهم بوصف الإسلاميين أنهم طلاب سلطة ولا يتورعون في ارتكاب أيَّة أخطاء من أجل الوصول الى هذه الغاية.

هذا الوضع الملتبس والذي ساهم في إنجاحه إلى حدِّ ما وسائل إعلام مموّلة بهدف التصدّي لمنع صبغ المجتمعات العربية بالهوية الإسلامية يجعلنا نفتش في طبيعة رؤية التيار الاسلامي للسلطة .

السلطة في فكر الإخوان المسلمين

"
أكد الإمام البنا على أنَّ الحكومة في فكر الإخوان المسلمين ركنٌ من أركان هذا الدين، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، وهو قانون وقضاء.
"
كان الإمام الشهيد حسن البنا حريصاً على توضيح موقف الجماعة من الحكم بصورة واضحة؛ فأكَّد على الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه، واستشهد البنا في كلامه بالقاعدة الشهيرة التي ارساها ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان الذي قال «إنَّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» مؤكداً أنَّ الحكومة في فكر الإخوان المسلمين ركنٌ من أركان هذا الدين، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، وهو قانون وقضاء.

ويقول الإمام البنا في هذا الصدد " إنَّ الإخوان المسلمين لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمَّة مَنْ يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني؛ فَهُمْ جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا؛ فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفِّذ أوامر الله ".

فالحكم كما سطَّر حسن البنا ليس هدف الإخوان المسلمين الأسمى لأنَّهم يعلمون ويعتقدون أنَّ الهدف الأسمى هو الحكم بالإسلام، ثمَّ يستكمل الإمام البنا قوله: «الإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدّموا لمهمّة الحكم، ونفوس الأمَّة على هذه الحال، فلابدَّ من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلَّم الشعب كيف يُؤْثر المصلحة العامة على الخاصة ».

ويقول الامام البنا في الأصل الأوَّل من الأصول العشرين التي وضعها لفهم الإسلام: "الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء".

"
لا يعتبر الإخوان المسلمون أنفسهم طلاب سلطة، بل يعتبرون أنفسهم دعاة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستهدفون من خلال دعوتهم تطبيق شرع الله كما أمر، وذلك من خلال الوسائل السلمية المتاحة وعبر المؤسسات الدستورية القائمة
"

ويوضح البنا بكل حزم موقف الإخوان المسلمين من الحكومة فقال في رسالته إلى الشباب: "نريد الحكومة المسلمة التي تقود الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدي الإسلام من بعد، كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبي بكر وعمر من قبل، ونحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومة لا يرتكز على أساس الإسلام، ولا يُستمد منه، وسنعمل على إحياء نظام الحُكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام " ويشدد البنا على أنَّ رسالة الإخوان تكمن كخطوة لاحقة في إحياء الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وإقامة الحكومة المسلمة التي هي عماد هذا الحكم، وحامي حياضه.

ولا يعتبر الإخوان المسلمون أنفسهم طلاب سلطة، بل يعتبرون أنفسهم دعاة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستهدفون من خلال دعوتهم تطبيق شرع الله كما أمر، وذلك من خلال الوسائل السلمية المتاحة وعبر المؤسسات الدستورية القائمة، ولا شك أنَّ طلب السلطة والسعي إليها أمرٌ مشروعٌ لذوي الكفاءة، وواجب لمنع غيرهم من تقلد ذلك، ولا يطعن في شخص المرشح ولا أهدافه.

ولا يسعى الإخوان إلى الحكم طلباً له وأملاً فيه، إلاَّ أنَّه إذا جاءهم عن طريق صناديق الاقتراع الحرّ النزيه، فإنَّهم لا يرفضونه من منطلق أنهم أصحاب برنامج إصلاحي ذي مرجعية إسلامية، وما كان الإمام البنا طالبًا لسلطة أو نفوذ، أو ساعٍ لتحقيق مجد شخصي ومكاسب مادية,  فعندما كُلف إسماعيل صدقي بتشكيل الوزارة في عام 1946 أخذ يبحث عمن يؤيده شعبيًا، وسعى لمقابلة الإمام البنا، وعرض عليه وزارة الأوقاف، ووعده الإمام البنا بالتشاور في الأمر ورفض الوزارة، ولم تكن تلك المرَّة الوحيدة التي يرفض فيها الإمام البنا الوزارة، فقد رفضها في حكومة الوفد التي شكلها فؤاد سراج الدين باشا.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …