الإخوان .. دعاة لا طلاب سلطة ( 2-2 )

الرئيسية » بصائر الفكر » الإخوان .. دعاة لا طلاب سلطة ( 2-2 )
alt
تحدَّثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن الاتهامات التي لا تتوقف لأبناء التيار الإسلامي بالسعي للسلطة في محاولة لابتزازهم لإقصائهم عن الوصول إلى حق أصيل لكلِّ أبناء الشعوب العربية والإسلامية .
وأوضحنا أنَّ السلطة في فكر وأدبيات الإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان المسلمون ليست هدفاً في حد ذاتها وإنما وسيلة للإصلاح والتغيير والعمل على تطبيق شرع الله, ارتكازاً على القاعدة الشهيرة التي أرساها ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان بقوله: «إنَّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»
لذا أوضحنا أنَّ الحكومة في فكر الإخوان المسلمين ركن من أركان هذا الدين، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، وهو قانون وقضاء, ونسعى في الجزء الثاني من المقال إلى التأكيد على أنَّ هدف الحركة الاسلامية لا يقف عند الحدود الجغرافية للأوطان، وإنَّما يسعى للوصول بهذا الدين الى قيادة وريادة العالم .

أستاذية العالم:

فلا يقف طموح التيار الإسلامي عند حدود الوصول إلى السلطة من أجل العمل لدعوة الله تعالى، فقد حدَّد الإمام البنا بكل وضوح أهداف الحركة الإسلامية؛ حيث أكَّد على أنَّ من أهداف الجماعة الحكومة والسلطة، ويذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فيتحدث عن السعي لتحقيق الوحدة الإسلامية التي كانت متمثلة في الماضي في نموذج الخلافة الإسلامية، بل ولا تقف رؤية الحركة الإسلامية عند هذه الحدود، بل تذهب إلى السعي إلى الوصول إلى أستاذية العالم، فيقول الإمام البنا في رسالة التعليم " ومراتب العمل المطلوبة من الأخ المسلم:إصلاح نفسه حتى يكون: قويَّ الجسم، متينَ الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شؤونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته.
وتكوين بيت مسلم، بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في مظاهر الحياة المنزلية, وإرشاد المجتمع بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف،وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي.
وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدّي مهمتها كخادم للأمَّة، وأجير عندها، وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه و إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية بتحرير أوطانها، وإحياء مجدها , وتقريب ثقافتها، وجمع كلمتها, حتى يؤدى ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.
وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ) (لأنفال:39), (وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32).

تجربة حماس في الحكم
"
تعتبر تجربة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السلطة تجسيداً واضحاً لفكرة  لفكرة كون الحكم وسيلة فعالة لتحقيق أهداف الحركات الاسلامية المقاومة
"

ولعلَّ تجربة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السلطة تجسد بوضوح فكرة كيف يكون الحكم وسيلة فعالة لتحقيق اهداف الحركات الاسلامية المقاومة , فإذا كانت حركة حماس حلقة في بناء الحركة الإسلامية والتي تسعى جاهدة الى تحرير الاوطان من الاحتلال الصهيوني لأراضي فلسطين فإنَّ تجربة وصول حماس إلى الحكم ساعدها على الانتصار لهذه القضية.
ورغم تعرّض الحركة لحصار خارجي وفتن داخلية وإجماع شبه دولي على ضرورة اسقاطها لإفشال النموذج الاسلامي المقاوم في السلطة , تجسَّد في أبشع صوره في العدوان على غزة عام 2009 في محاولة لإسقاط حكم حماس, إلاَّ أنها خرجت من هذه الحرب قوية، فقد برهنت على أنَّ وصولها للحكم جعلها أكثر قدرة على التمسك بخيار المقاومة وتفعيل أدوات مناهضة العدوان الصهيوني, فلم يركن أبناء الحركة إلى متاهات السلطة.
وفيما يتعلق بالأمور الحياتية فقد نجحت حكومة حماس في تحقيق نظام فعَّال، وإعادة تشكيل النظم القانونية والتشريعية وإعادة إدارة الشئون الصحية والاجتماعية، واستطاعت فرض النظام وضبط السلاح وخفض القيادات العشائرية والأنشطة الإجرامية والعدائية، كما أثبتت "حماس" مهارتها من خلال اختراقها الواضح للحصار وإفشاله الى حد كبير على المستويين الاقليمي والدولي.
كما أجهزت حماس على الفساد والمفسدين ووضعت النظام المالي على الطريق المستقيم، ولم تسجل أيّ حالة اختلاس مالي لأي مسؤول، كذلك لم يعرف أنها استدانت من أيّ دولة خارجية خلال فترة حكمها على مدار الأربع سنوات الماضية على الرَّغم من قلة المال.
ونجحت حماس في المزاوجة بين السلطة والمقاومة وهي متسلحة بفوزها الكاسح في انتخابات يناير 2006 بقرابة 60% من مقاعد البرلمان الفلسطيني،
فحماس في عامها الأوَّل للحكم في غزة كانت تنحصر (المقاومة) فقط التي حاربت لتبقي عليها مستمرة، ومع دخول عامها الثاني أصبحت مضطرة للمزاوجة بين (السلطة والمقاومة) حتى اصبحت الطرف الأكثر قوَّة, ومع نجاح الثورات الشعبية العربية قوي موقف حماس وضعف موقف سلطة رام الله خاصة مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر التي كانت تلعب دور الحليف الاستراتيجي لسلطة رام الله القائمة على التفاهم والتسوية والانصياع في كثير من الأحيان للكيان الصهيوني، فتبدل الموقف وأصبحت مصر داعمة بشكل كبير لخيار المقاومة وقد تجلى هذا بوضوح في إصرار رئيس وزراء مصر على زيارة قطاع غزة اثناء العدوان الصهيوني الاخير على غزة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …