تتميَّز الدعوة الإسلامية بأنها لا تعتمد على الجانب المادي فحسب، بل جوهرها الحقيقي هو الاهتمام بالجانب السلوكي والإيماني والتربوي؛ فهي ليست شركة مالية تسعى لنيل أكبر قدر من الأرباح، أو مؤسسة سياسية تسعى للوصول إلى مراكز القرار في الدولة، وإنما تعتمد في نجاحها على الاهتمام الإيماني والتحصين التربوي والأخوة والدافعية والكفاءة لكلِّ من ينضم تحت لوائها.
وتكمن أهمية الاهتمام بالشأن التربوي، كون الداعية يتعرَّض للكثير من التحديات الخارجية والداخلية، وهي التي تحتاج منه أن يواجهها بنفس قوّية متينة، وإلا كان هذا الداعية ضحية للكثير من الأمراض، بل وربما أدَّى به إلى التساقط عن الطريق المستقيم لضعفه وقلة مناعته.
فلسفة التربية الدعوية
"
الاهتمام بالتربية الدعوية يؤدي إلى إيجاد الأفراد القادرين على تحقيق التغيير الشامل في المجتمع، بحيث يكون هؤلاء قدوة للآخرين، وعاملاً لمساعدة الناس على تحقيق النهضة بكافة أشكالها. مع ثباتهم على المبدأ وعدم رضوخهم لكل المغريات والمعيقات.
"
التربية الدعوية، هي الأسلوب الأمثل للتعامل مع الفطرة البشرية سواء بالكلمة أو بالقدوة أو غيرها من الوسائل أو الأساليب.
فهي تعتمد على منهاج خاص، ووسائل خاصة، تؤدي في النهاية إلى تحقيق التغيير داخل النفس، وجعلها نفساً عاملة، تحب الخير للجميع، وتكون عامل بناء داخل المجتمع.
وتعتمد التربية الدَّعوية على تصورات مأخوذة من القرآن والسنة وسيرة السلف، إضافة إلى ما يحقق مصلحة الإنسان خصوصاً والمجتمع عموماً.
لذا فهي تسعى لتحقيق التوازن بين الطاقات والأهداف والوسائل، وتدفع الفرد لأن يكون فاعلاً إيجابياً، ممَّا يعني أنه سيكون اللبنة الأولى للتغيير داخل المجتمع، وهو ما تريده الدعوة.
ولهذا، فإنَّ الاهتمام بالتربية الدعوية يؤدي إلى إيجاد الأفراد القادرين على تحقيق التغيير الشامل في المجتمع، بحيث يكون هؤلاء قدوة للآخرين، وعاملاً لمساعدة الناس على تحقيق النهضة بكافة أشكالها، سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية وأخلاقية وغيرها. مع ثباتهم على المبدأ وعدم رضوخهم لكل المغريات والمعيقات.
ومن ناحية أخرى، فإنَّ التربية الدعوية تعطي الفرد ملكة التعامل مع الواقع، من حيث فهمه، وبيان العوامل المؤثرة فيه، وكيفية أسلمته، فتجد الداعية يتعامل مع المفاهيم الدارجة، والعادات المنتشرة، والقضايا الحساسة، وفق منهج إسلامي عقلاني، وفهم ورويّة.
وللإمام الشهيد حسن البنا –رحمه الله- كلامٌ جميلٌ في أهداف التربية، حيث يقول في كتابه "مذكرات الدَّعوة والداعية":
(يجب أن تكون دعامة النهضة (التربية). فتربى الأمة أولاً وتفهم حقوقها تماماً وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق، وتربى على الإيمان بها، ويبث في نفسها هذا الإيمان بقوة، أو بعبارة أخرى تدرس منهاج نهضتنا درساً نظرياً وعملياً وروحياً.
وذلك يستدعي وقتاً طويلاً؛ لأنه منهج يدرس لأمة فلابد أن تتذرع الأمة بالصبر والكفاح الطويل، وكل أمة تحاول تخطي حواجز الطبيعة يكون نصيبها الحرمان.
ومن أجل هذا، يجب أن تعد البلاد التي تود النهضة مدرسة، طلبتها كل المواطنين، وأساتذتها الزعماء وأعوانهم، وعلومها الحقوق والواجبات العامة، أو الغاية والوسيلة، ومن أجل ذلك أيضاً يجب أن ينظم أمران مهمان، هما المنهج والزعامة.
فأمَّا المنهج فيجب أن تكون مواده قليلة، بقدر الإمكان، عملية بحتة ملموسة النتائج مهما قلت.
وأمَّا الزعامة، فيجب أن تختار وتنتقد، حتى إذا وصلت إلى درجة الثقة أطيعت وأوزرت، ويجب أن يكون الزعيم زعيماً تربى ليكون كذلك، لا زعيماً خلقته الضرورة وزعمته الحوادث فحسب، أو زعيماً حيث لا زعيم.) أ. هـ
نظرات خاطئة..
ورغم ما تتمتع به التربية الدعوية من أهمية، إلاَّ أنَّها كثيراً ما تتعرض للتشويه بسبب نظرات مجتزأة، يصاحبها خلل في التعامل معها، ومن الأمثلة على ذلك:
"
من النظرات الخاطئة إلى أهمية التربية، اعتبارها بأنها مطلوبة في مرحلة عمرية معيَّنة أو في القاعدة دون القيادة. بحيث إنْ ترقّى الداعية في المناصب ووصل إلى أعلى الهرم أو قيادة العمل الدعوي، فإنه يستغني عنها ولا يحتاجها. وهذه ناشئة من النظر إلى التربية على أنها مجرَّد أمر مرحلي وليس أمراً أساسياً يكون أكثر حاجة وأهمية كلما ارتقى المرء في الدعوة وزادت مسؤولياته.
"
1- النظر إليها على أنها مجرَّد شكليات لا تؤثر مطلقاً في سلوك الشخص، أو في تماسك الصف الدعوي. فيظن البعض أنَّ وسائل التربية كالأسرة والكتيبة وغيرها، ليس لها أيّ تأثير سوى إضاعة الوقت، في حين أنَّ الإنسان قد يستبدلها بمادة معرفية تقرأ من كتاب ما على سبيل المثال. وهذه النظرة ناشئة عن رؤية مجتزأ لهذه الوسائل من حيث تقييمها من الجانب المعرفي المعلوماتي فحسب، دون النظر إلى آثارها على النفس والسلوك.
2- التعامل معها على أنها مجرَّد روتين تنظيمي فحسب، بحيث تكون خالية من الروح والمضمون، ومقتصرة على القراءة والتنظير البعيد عن التوجيه وزرع القيم وحل المشاكل ومعرفة وجهات النظر والتعامل معها بالقبول أو التصحيح. وفي هذه الحالة يصاب الأفراد بحالة من الترهل الدعوي والتربوي؛ لأنَّ التربية عندهم تمثل نصوصاً مقروءة، أو كلمات مسموعة، خالية من كل ما يعيد صياغة النفس، ممَّا يجعلها عرضة للكثير من المشاكل.
3- النظر إليها إلى أنها مطلوبة في مرحلة عمرية معيَّنة أو في القاعدة دون القيادة. بحيث إنْ ترقّى الداعية في المناصب ووصل إلى أعلى الهرم أو قيادة العمل الدعوي، فإنه يستغني عنها ولا يحتاجها. وهذه ناشئة من النظر إلى التربية على أنها مجرَّد أمر مرحلي وليس أمراً أساسياً يكون أكثر حاجة وأهمية كلما ارتقى المرء في الدعوة وزادت مسؤولياته.
4- تقليل الاهتمام بالجانب التربوي، على حساب الأمور الأخرى. فعلى سبيل المثال يتم اختيار شخصية ما لتولي منصب معيّن، بسبب توفر بعض المؤهلات فيها رغم أنها تعاني من مشاكل تربوية خطيرة، وهذه النظرة عائدة إلى قلة الاهتمام بهذا الجانب، ممَّا يعني عدم اعتبار التقييم التربوي للأفراد إذا عارضته الأمور الثانوية الأخرى.
5- إضعاف العملية التربوية، عبر تعيين بعض الأشخاص غير المؤهلين للتربية، أو ممَّن لديهم خلل في الفكر والتربية، أو لا يستطيعون التعامل مع مادة التربية وكيفية إيصالها للآخرين، وهذه نابعة من نظرة خاطئة للتربية الدعوية، على أنها وظيفة أكثر من أنها رسالة، مع عدم الانتباه إلى أن المربّي قدوة لغيره، ولابد أن يتحلى بأفضل الصفات، حتى تنجح العملية التربوية.
هذه بعض المشاكل والنظرات الخاطئة التي يتم فيها تشويه التربية الدعوية ودورها داخل المجتمع، وسيتم تناول كل منها بالتفصيل مع بيان الحلول المناسبة في مقالات قادمة –إن شاء الله-.