الغزالي .. أديب الدعوة

الرئيسية » بصائر الفكر » الغزالي .. أديب الدعوة
alt
في عام 1945 كتب الامام الشهيد حسن البنا رسالة له قال فيها : قرأت مقالك " الإخوان المسلمون والأحزاب " في العدد الاخير من مجلة الإخوان المسلمين فطربت لعبارته الجزلة ومعانيه الدقيقة وأدبه العف الرَّصين .. هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون .. اكتب دائماً وروح القدس يؤيدك والله معك.
ومنذ ذلك الوقت الذى تجلت فيه رصانه أسلوبه وعمق أفكاره وقدرته على تحليل الوضع السياسي المعقَّد، حينذاك أطلق عليه الامام الشهيد لقب " أديب الدَّعوة" , إنَّه الإمام محمد الغزالي الذي عمل لإعلاء كلمة الله تعالى وجاب أطراف الدنيا ولم يدخر جهداً ووقتاً لخدمة هذا الدين ونشر ما حمله من فكر تجديدي تفوق فيه كثيراً على معاصريه حتى لقي ربَّه مساء السبت  19من شوال 1416هـ ـ 9 من مارس 1996م.
ولم يكن حينها كالكثيرين في مثل ظروف ممَّن يخلدون الى الراحة، فرغم كبر عمره الذي قارب حينها على الثمانين عاماً كان يلقى كلمته في ندوة عن "الإسلام والغرب" ضمن فعاليات مهرجان أقيم بالمملكة العربية السعودية, حيث أصيب بأزمة قلبية, فارق بعدها الحياة ليدفن بالبقيع فى المدينة المنورة بناءً على وصيته.

مولده ونشأته
ولد الشيخ محمد الغزالى عام 1335هـ ـ1917م, في إحدى قرى مركز المحمودية ـ محافظة البحيرة (شمال الدلتا) بمصر، وهي ذات المحافظة التى ولد فيها الامام الشهيد حسن البنا, وكان أبوه تاجراً متدينا فسمَّاه تيّمنا باسم الامام "أبي حامد الغزالي"، المتوفى سنة 505 هـ.
أتمَّ الغزالي حفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره،  وتدرب على إجادة حفظ القران في ذهابه وإيَّابه وختم القران في تتابع صلواته وقبل نومه وفي وحدته، و انتقل به والده إلى مدينة الإسكندرية، ليلتحق بالمعهد الديني الأزهري، وأكمل تعليمه ليلتحق بجامعة الأزهر وليحصل على العالمية فى عام 1941، ثم اشتغل خطيباً فى مساجد مصر.

علاقته بالإخوان
يقول الشيخ الغزالي عن لقائه الأول بحسن البنا، فيقول: كان من عادتي أثناء دراستي الثانوية في المعهد الازهري بالاسكندرية لزوم «مسجد عبد الرحمن بن هرمز» حيث أقوم بمذاكرة دروسي، وذات مساء نهض شاب لا أعرفه يلقي على الناس موعظة قصيرة شارحاً للحديث الشريف: ((اتق الله حيثما كنت... وأتبع السيئة الحسنة تمحها.. وخالق الناس بخلق حسن)) وكان حديثاً مؤثراً يصل إلى القلب..
وفي أثناء دراسته بالقاهرة اتصل الغزالي بالإمام حسن البنا وتوثقت علاقته به، وأصبح من المقرَّبين إليه، حتى إنَّ الإمام البنا طلب منه أن يكتب في مجلة "الإخوان المسلمين" لما عهد فيه من الثقافة والبيان, وظل يعمل في مجال الدعوة حتى ذاعت شهرته بين الناس.
إلى أن صدر قرارٌ بحلِّ جماعة الاخوان المسلمين عام 1948 ، وكان الشيخ الغزالي ضمن معتقلي الاخوان المسلمين من الذين زجّ بهم في سجن الطور بشبه جزيرة سيناء.
ثمَّ خرج من هذا المعتقل في عام 1949 ليستأنف عمله الدَّعوي دون أن يقلل المعتقل من حماسه للعمل لدين الله.

صولات وجولات
لم تقف جهود الشيخ الغزالى عند حدود مصر الجغرافية، بل تخطت ذلك لتصل إلى عشرات الدول التي عمل فيها أستاذاً في جامعاتها, وشارك في عشرات المؤتمرات الدولية وأسَّس جامعة الأمير عبد القادر الاسلامية بالجزائر والتي أصبحت منارة للإسلام في شمال إفريقيا, وظل يديرها حتى ضعفت صحته.
"
كان الغزالي - رحمه الله- يدرس تاريخ السلف واجتهاداتهم لينسحب به على واقعه وعينه على المستقبل وكيف يصنع لنا هذا الدين مستقبل أفضل. فأقام منهجه على تربية العقل بحسن التفكير، وتربية القلب بحسن الإيمان، وتربية السلوك بحسن الخلق،  وتربية الوجدان بحسن الأدب.
"
ولعب خلال تلك الجولات الصَّولات دوراً فاعلاً في محاربة التدين المغشوش, الذي ينشغل بقشور المسائل عن أصولها, وألف عشرات الكتب لتعميق فهم الأمَّة لدينها وتبصيرها بما يحيط بها سياسياً وثقافياً واقتصادياً إلى جانب الى العلوم الدينية واختلف عن معاصريه وأبناء جيله في تعاطيه مع علوم الدين؛ فقد كان يدرس تاريخ السلف واجتهاداتهم لينسحب به على واقعه وعينه على المستقبل وكيف يصنع لنا هذا الدين مستقبل أفضل. فأقام منهجه على تربية العقل بحسن التفكير، وتربية القلب بحسن الإيمان، وتربية السلوك بحسن الخلق،  وتربية الوجدان بحسن الأدب.
كما لعب الغزالي دوراً كبيراً في التصدِّي لبعض الافكار السياسية الهدامة التي انتشرت في عالمنا العربي وكان على رأسها الفكر الشيوعي، وكان يحرِّك الشعوب لرفع الظلم عن نفسها، وأن تسعى إلى إزالة الفساد عن أوطانها.
تصدَّى رحمة الله عليه للرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عندما أراد أن يمحو من الدستور كون مصر دولة إسلامية، فوقف مع الشيخ أبو زهرة ضد هذا المسلك ونجحا في التأكيد على هوية مصر الإسلامية.
وفي عهد الرئيس السَّادات عندما أراد تغيير قوانين الأحوال الشخصية، وتقييد تعدّد الزوجات، فقام الشيخ يخطب منددًا بهذا المشروع، وقامت الجماهير بمظاهرات تطالب بإلغاء هذا القانون، وقد كان له ما أراد.

فكر مجدّد
كان السَّمت العام للشيخ الغزالي أنه كان صاحب فكر مجدّد حيث مال في كل مواقفه الى الاسلام الوسطي الذي يلعب دور في تنظيم حياة الناس ولا يكتفي بالبقاء داخل جدران المساجد فكان يغضب اشد الغضب اذا جنحاحد الى الغلو والتنطع والابتعاد عن مقاصد الاسلام, وحارب العادات التي تحولت لدى البعض الى عبادات.
وكان في سبيل ذلك حريص على تجنب الجدل والنقاشات الحادة؛ فالجدل قرين ويرى أنه لا يجوز لأمة تُؤكَل من يمين وشمال وتَنْهش فيها الذئاب من كل جانب أن تشغل نفسها بالجدل والخوض في الخلافيات والنقاشات الحادة،وكان من أول الدعاة الذين تفتقت أبصارهم الى النظر للمرأة في المجتمع المسلم بعين مختلفة فاحتلت مساحة كبيرة في خريطة اهتماماته فأفرد لها كتابًاً أسماه "قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة".
وكان يؤمن بأنَّ التلطف مع الإناث والرِّفق بهن آية اكتمال الرجولة ونماء فضائلها، والنساء لديه مكلفات مثل الرِّجال ليرسخ بذلك فكراً يدحض كثيراً من المزاعم الغربية التي طالما حاولت تشويه رؤية الاسلام للمرأة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …