ضربت الصحابيات الجليلات أروع الأمثلة في الصبر على استشهاد ذويهنّ، فقد جاءت الربيع بنت النضر أم حارثة بن سراقة الذي استشهد ببدرٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، أخبرني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت واحتسبت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، فقال: إنها جنات، وإنه أصاب الفردوس الأعلى" ، ونُعي إلى حمنة بنت جحش أخوها عبد الله فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي إليها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي إليها زوجها مصعب بن عمير فقالت: واحزناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن للزوج من المرأة مكاناً ما هو لأحد، ثم قال لها: لم قلت هذا؟ فقالت: يا رسول الله ذكرت يُتم بنيه فراعني، فدعا رسول الله لولده، فتزوجت طلحة بن عبيد الله، فولدت له محمد بن طلحة، وكان أوصل الناس لولده " ولما وضعت الحرب أوزارها في أُحد، وقفت صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخيها حمزة فوجدته قد بُقر بطنه، وأُخرجت كبده، وجُذع أنفه، وصُلمت أذناه، وشُوِّه وجهه، فاستغفرت له وجعلت تقول: إن " ذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله" . وصبرت المرأة المسلمة على استشهاد ولدها، فعندما بلغ الخنساء خبر استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية، قالت: "الحـمد لله الذي شرفني بقتـلهم، وأرجو من ربي أن يجمـعني بهم في مستقر رحمته " .
فعظم الله أجركن يا أمهات وزوجات وأخوات وبنات الشهداء في فلسطين، وفي كل ديار العرب والمسلمين، وصبراً صبراً فإن موعدكن الجنة مع أحبائكنّ، ومع أخواتكنّ الصحابيات الكريمات.
ومن النساء الصابرات المحتسبات زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما قتل ابناها وحُملا إليها ووُضِعَا بين يديها مقتولين قالت: " إنا لله وإنا إليه راجعون " .
وفي فتوح قلعة رأس العين، أصيب ابن عم رافع بن خالد، فعلم أنه ميت، فالتفت إلى رافع وقال له: " بلِّغ أمي العجوز سلامي"، وعندما وصل الخبر إلى أمه صبرت صبر الكرام، وقالت: " يا بُنَيّ عشت سعيداً ومت شهيداً وسلكت سبيل آبائك؛ فرحمك الله، وآنس غربتك، ونفعني بك يوم القيامة " . أما أسماء بنت أبي بكر، فعندما جاءها ابن عمر رضي الله عنه ليعزيها بمقتل ابنها عبد الله بن الزبير والتمثيل بجثته، قال لها:" إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله واصبري، فقالت: وما يمنعني؟ وقد أهدي رأس نبي الله يحيي بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل"
وقد سـألت النساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يقلن عـند الاحتسـاب، فـهذه أم سلمة تسأله عند استشهاد زوجها بسبب جرح أصابه في أُحد: " يا رسول الله: ماذا أقول؟ قال: قولي اللهم اغفر له وأعقبنا منه عقبى صالحة "، فأعقبها الله خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روت أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أصابت أحدكم مصيبة، فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني خيراً منها " .
وكان صبر المرأة المسلمة في صدر الإسلام استجابة لقول النبي صلى الله علية وسلم:"لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبهم إلا دخلت بهم الجنة، فقالت امرأة منهن: واثنين يا رسول الله ؟ قال: واثنين"
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشجع النساء عند استشهاد أبنائهن بتذكيرهن بأجر الشهيد، فقد قال لأم خلاد الذي قتل يوم بني قريظة: "إن ابنك له أجر شهيدين، قالت: ولم ذاك يا رسول الله ؟، قال: لأنه قتله أهل الكتاب" .
فعظم الله أجركن يا أمهات وزوجات وأخوات وبنات الشهداء في فلسطين، وفي كل ديار العرب والمسلمين، وصبراً صبراً فإن موعدكن الجنة مع أحبائكنّ، ومع أخواتكنّ الصحابيات الكريمات.