خنساء فلسطين .. بوصلة التربية والجهاد والتضحية

الرئيسية » بصائر الفكر » خنساء فلسطين .. بوصلة التربية والجهاد والتضحية
um nedal17

بعيون يملؤها الحزن والفخر في الوقت نفسه، شيَّعت حشود غفيرة من أبناء غزة، يتقدّمهم قادة المقاومة، ورجال القسَّام، تلك المجاهدة الصابرة التي تركت في التاريخ الفلسطيني بصمة في غاية الأهمية، كان لها دور مهم في تأجيج النضال والجهاد ضد الاحتلال الصهيوني  وتقديم أروع صور التضحية والفداء.

إنها مريم فرحات، أم نضال، أو كما عرفت باسم خنساء فلسطين، أحد قيادات حركة حماس النسوية في غزة، وبوصلة كل أم تحلم في أن تكون مربية للأبطال والشهداء، حيث قدَّمت ثلاثة من أبنائها شهداء في سبيل الله.

نشاطها الدعوي والجهادي..

ولدت أم نضال في حي الشجاعية بغزة عام 1949، وهي أم لستة أبناء وأربع بنات.

بدأ نشاطها الدَّعوي عام 1981، حينما كانت رئيسة لمكتبة مسجد الإصلاح في حي الشجاعية، وكانت مشرفة على بعض الأنشطة الدعوية النسوية في المجمع الإسلامي في غزة، الذي أسَّسه الإمام الشهيد أحمد ياسين. واستمر نشاطها الدعوي في غزة حتى عام 1983 حيث سافرت إلى ليبيا بعدها، ثمَّ عادت إلى نشاطها الدعوي بعد عام 1987 حينما عادت إلى قطاع غزة. حيث استمرت في العمل الدَّعوي النسوي في القطاع، حتى أصبحت أبرز القيادات النسائية لحركة حماس، وكانت عضواً في المجلس التشريعي بعد انتخابات عام 2006.

نحن لا ندفع أبناءنا للموت بل للحياة الحقيقية، للسعادة الحقيقية في الآخرة، نحن يعز علينا أبناؤنا ونبكي فراقهم ولكننا نودعهم إلى جنّةٍ عرضها السموات والأرض

بدأ جهاد أم نضال مبكراً، حينما آوت القائد القسَّامي عماد عقل – رحمه الله- في بيتها، حيث عرضت على الحركة استعدادها لإيواء أيّ مطارد من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، وكان لوجود عماد عقل دور مهم في تربيتها لأبنائها على حب الجهاد والاستشهاد، حيث كان بيتها مركزاً لانطلاق معظم عمليات عماد عقل ضد قوات الاحتلال. وكانت – رحمها الله- معطاءة صاحبة فضل، توفر الطعام والكساء للمجاهدين والمطاردين، وترفع من معنوياتهم، وتشجعهم على الجهاد ضد اليهود.
وكان لأم نضال دور بارز في التحاق أبنائها الستة بكتائب القسام، حيث استشهد ثلاثة منهم على أيدي الاحتلال الصهيوني، وهم محمد الذي استشهد عند اقتحامه لمغتصبة " عتصمونا" في السابع من آذار عام 2002. حيث أسفرت العملية عن مقتل تسعة جنود وجرح أكثر من عشرين منهم، وكانت أم نضال قد ودعت ابنها قبل ذهابه إلى العملية، قائلة له وقتها : (والله لو كان عندي مئة ولد لأقدمهم في سبيل الله). وحينما سئلت عن شعورها حينما ودعت ابنها، قالت: "أنا لا أدفع ولدي للموت بل أدفعه لحياة أفضل، في جنة الله ..فنحن لا ندفع أبناءنا للموت بل للحياة الحقيقية، للسعادة الحقيقية في الآخرة، نحن يعز علينا أبناؤنا ونبكي فراقهم ولكننا نودعهم إلى جنّةٍ عرضها السموات والأرض.

ومن أبنائها الذين استشهدوا ابنها نضال، أول مصنع لصاروخ القسام، والذي انتقل بكتاب القسام نقلات نوعية، وخطى بها خطوات هامة، حتى أصبحت على ما هي عليه من القوة والتطور، وقد اغتالته قوات الاحتلال في السادس عشر من شباط لعام 2003.

أما الشهيد الثالث، فهو ابنها رواد، حيث استشهد في حادثة اغتيال في حي الزيتون في الرابع والعشرين من شهر أيلول لعام 2005، وهو في السابعة عشر من عمره، لكنه كان مجاهداً منذ كان في سن الـرابعة عشر، حيث شارك في الكثير من صد الاجتياحات، وكان يرابط على الحدود مع مجاهدي القسام.

إضافة إلى ذلك فهي أم لمعتقل داخل سجون الاحتلال حيث لم تره منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، ناهيك عن تدمير بيتها أربع مرات عبر قصفه من قبل جنود الاحتلال الصهيوني.

تعدُّ خنساء فلسطين نموذجاً يحتذى بها من كل امرأة تسعى لأن تكون مربية صالحة، وصانعة لجيل يجلب العزة والخير للأمة، فهي لم تغفل عن واجبها تجاه قضية فلسطين، فقامت بتربية أبنائها على الجهاد ليكونوا مصدرَ فخر لها أمام باريها عز وجل.

دروس مستفادة ..

بلا شك أنَّ خنساء فلسطين تعدُّ نموذجاً يحتذى بها من كل امرأة تسعى لأن تكون مربية صالحة، وصانعة لجيل يجلب العزة والخير للأمة، فهي لم تغفل عن واجبها تجاه قضية فلسطين، فقامت بتربية أبنائها على الجهاد ليكونوا مصدرَ فخر لها أمام باريها عز وجل.
وهذا الوسام والوصف الذي اتصفت به لم يأت إلاَّ بعد تربية واعية مبصرة لأبنائها على الثوابت والقضايا الأساسية في قضيتهم دون تنازل عنها أو تفريط.
وفي رسالة لبقية النساء، كانت أم نضال تدعو النساء للاستعداد للمرحلة القادمة، وهي مرحلة الصراع والقتال ضد اليهود، وتنصحهن بعدم الجري وراء (الموضة) ومغريات الدنيا، وكانت تقول: نحن مطمئنون اطمئناناً كاملاً بأنَّ الإسلام قادم رغم الظلم والقهر. وعلينا أن ندرك أن النصر لا يأت على طبق من الورد، بل يأتِ على طبق من الأشلاء والدماء والشهداء. فالنصر قادم بإذن الله تعالى وهو قريب قريب { ويقولون متى هو؟ قلْ عسى أن يكون قريباً}.

وفاتها ..

altتوفيت أم نضال بعد صراع طويل مع المرض، حيث خرجت روحها الطاهرة فجر اليوم الأحد السابع عشر من آذار عن عمر ناهز الرابعة والستين عاماً، تاركة خلفها تاريخاً مشرقاً، وحياة مليئة بالصبر والتضحيات، وشاركت حشود غفيرة في تشييعها. يتقدمها رئيس الوزراء إسماعيل هنية، ود. أحمد بحر، وجمع كبير من القادة وجنود القسام.

وقد قال رئيس الوزراء إسماعيل هنية عنها، بأنَّها "النموذج القدوة لنساء فلسطين بل لنساء العالمين ورجال الأمة العربية والإسلامية، لا يشيعها أهل الأرض لوحدهم، بل الملأ الأعلى بإذن الله". ووعد بالسير على نهجها في طريق النضال والجهاد حتى تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ذاكراً بأنها كانت من السابقات في الدعوة والجهاد والصبر والتضحية والعطاء، حيث قدمت لهذا الشعب والأمة نماذج فريدة في جهاد أعداء الله من فلذات كبدها، وختم كلامه بقوله : " نحزن لفراق  أم نضال، لكننا نفخر في الوقت ذاته ونرفع رؤوسنا عالياً، لأنَّها امرأة مسلمة إخوانية مجاهدة، لم يكن بينها وبين الجنة إلا أن تلقى الله، ونحسبها كذلك إن شاء الله".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …