مع بدء الرَّبيع العربي في بعض الدول العربي جني ثمار الثورات الشعبية لا يغيب عن المشهد بالطبع القضية الفلسطينية التي كانت ولازالت في قلب ووجدان الكثير من الحركات والقوى السياسية التي لعبت دوراً فاعلاً في الربيع العربي وتمكنت من الوصول الى الحكم عبر ارادة الجماهير.
ولعلَّ النموذج المصري الذى وصل فيه الإخوان المسلمون إلى الحكم خير معبِّر عن هذه المعطيات سابقة الذكر، فمصر التي لعبت طوال عقود نظام حكم الرئيس مبارك دوراً سلبياً في الملف الفلسطيني انعكس بشكل إيجابي على الجانب الصهيوني وتجلّت أعلى صور التعاون بين النظام المصري الذى قامت الثورة ضده وبين الكيان الصهيوني في المشاركة في إحكام الحصار على أبناء غزة والانحياز بشكل كبير إلى الكيان الصهيوني والدعم المباشر والصَّريح لفصيل فتح بعد أن تخلّى عن خيار المقاومة، وارتضى الجلوس للتفاوض مع الكيان الصهيوني وانحاز بشكل صريح إلى خيار التسوية السياسية.
فلسطين والربيع العربي:
"
بعد أن بدأت ثورات الربيع العربي تجني ثمار نجاحها بدأت ميزان القضية الفلسطينية يختلف ويميل بشكل كبير لصالح القضية
"
لعلَّ الاطلاع بنوع من التمعن في مشهدين لاجتماع الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى القمَّة يمكن أن يلخص لنا حالة التحوّل في التعاطي العربي الممثل في جامعة الدول العربية مع القضية الفلسطينية، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فقد عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً عاجلاً في القاهرة عام 2010 وقرَّروا كسر حصار غزة بشتى الوسائل، وكذلك التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يلزم "إسرائيل" برفع الحصار عن غزة بشكل فوري، ولكنَّ شيئاً لم يحدث وظل الحصار على حاله، هذا بالطبع غير العديد من القمم العربية التي عقدت طوال العقود التالية لمرحلة ما بعد استقلال الدول العربية من الاحتلال الأجنبي وظهور طبقة من الحكام الجدد أقل ما يوصف أغلبها بأنها كانت مستبدة وتدور في فلك التبعية الأمريكية فخلال هذه العقود انتكست القضية الفلسطينية، ولم تكد أغلب القرارات التي اتخذتها القمم العربية تصل لقيمة الأوراق التي كتبت عليها.
إلاَّ أنه بعد أن بدأت ثورات الربيع العربي تجني ثمار نجاحها بدأت ميزان القضية الفلسطينية يختلف ويميل بشكل كبير لصالح القضية فلأوَّل مرة يزور رئيس وزراء مصري غزَّة إبَّان حرب شنَّت من الكيان الصهيوني على غزة بما يشكل دعماً مباشرة ومعلناً للقضية الفلسطينية.
وتجلّى الدَّعم العربي في القمَّة العربية الأخيرة، فرغم ما تعانيه مصر الآن من حالة من القلاقل المصطنعة التي لا تريد لمصر الانطلاق الى الامام إلاَّ أنَّ القضية الفلسطينية ظلت حاضرة في فكر واهتمام الرَّئيس المصري محمد مرسي الذى اعلن بكل وضوح لا مواربة فيه خلال كلمته في القمة التي عقدت مؤخراً في دولة قطر "إنَّ القضية الفلسطينية.. قضية العرب والمسلمين الأولى التي تشغل وجدان كل عربي ومسلم.. وكل الشعوب المؤمنة بقيم السلام والعدل والحرية.. إنَّ استمرار حرمان الشعب الفلسطيني الشقيق من حقه الأصيل في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إنما يتعارض ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وينال من مصداقية المجتمع الدولى ويشكك في قدرته على استخدام المعايير السليمة لمعالجة القضايا الأخرى المتعلقة بحقوق الشعوب العربية والمسلمة ".
كما شدَّد على أنَّ القضية الفلسطينية مازالت ومنذ أكثر من ستة عقود تراوح مكانها دون تسوية شاملة عادلة تضمن عودة الحق إلى أصحابهوتحرر الأرض التي مازالت تحت الاحتلال، وتضمن العيش الكريم لهذا الشعب المجاهد الصامد.
وشدَّد على ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك لضمان التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة تنهي ملف الصراع والمعاناة للشعب الفلسطيني..من خلال عدة محاور:
المحور الأول : مواجهة استمرار سياسات الاستيطان غير المشروع للأراضي الفلسطينية وإجراءات تغيير هوية القدس المحتلة التي تهدّد أكثرممَّا مضى إمكانية قيام الدولة الفلسطينية ذاتها وتقضي على آمال تحقيق السلام العادل والشامل، وما سمعناه منذ أيام خير دليل على ذلك.
المحور الثاني.. إتمام المصالحة الفلسطينية في أسرع وقت وتذليل ما تبقى من عقبات تحول دون تفعيل المصالحة التي تشكل حجر الزاوية لتوحيد الصف الفلسطيني والركيزة الأساسية لاستقطاب مزيد من الدعم الدولي للقضية الفلسطينية العادلة.. وهو ما لا تدخر مصر جهدًا من أجله باعتباره غاية نبيلة تعيد الوحدة للشعب الفلسطيني، وتضمن استمرار صموده وكفاحه من أجل الحصول على كامل حقوقه كما يقرّر هو نفسه على أرضه أرض فلسطين الغالية علينا جميعًا.
المحور الثالث.. يتعلَّق بأهمية الوفاء بما التزمنا به من دعم سياسي ومادي حتى يستطيع أن يفي المسؤولون عنهم بالتزاماتهم تجاه مواطنيهم، ويضطلعوا بمسؤولياتهم إزاء ما يواجهونه من تهديدات وضغوط بحجب الموارد المالية عنهم.. كما أن علينا أن نسعى وبجد لإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة وسكانه إذ يجب ألا نقبل.. ولا أن يقبل الضمير البشري باستمرار هذا الحصار الجائر.
وخلص المشاركون في القمَّة الى اتخاذ اجراءات عملية لدعم القضية الفلسطينية من بينها .
إنشاء صندوق القدس بموارد مالية قدرها مليار دولار أمريكي؛ في محاولة للحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس الشريف وتعزيز صمود أهلها ولتمكين الاقتصاد الفلسطيني من تطوير قدرته الذاتية وفك ارتهانه للاقتصاد الصهيوني ومواجهة سياسة العزل والحصار.
معسكر مناهض:
بطبيعة الحال لم تترك المعادلة الدولة أن يتم هذا التكتل من أجل دعم القضية الفلسطينية إذ شهدنا العمل على عدَّة محاور الأول لعبته حركة فتح في محاولة إحداث وقيعة بين الشعوب العربية وبين حركة حماس؛ حيث كشفت لجهاز المخابرات العامة لسلطة رام الله ونشرت في الإعلام المصري على أنَّ هناك تنسيقاً بين مخابرات رام الله وإعلاميين مصريين لمهاجمة حماس؛ حيث كانت الوثيقة موجهة من رئيس المخابرات العامة لدى السلطة في رام الله اللواء ماجد فرج إلى رئيس السلطة محمود عباس عن أداء اللجنة الملكفة بمتابعة الساحة المصرية في جهاز المخابرات، وقد كشفت النقاب عن وجود تنسيق فلسطيني ـ مصري في ترتيب الحملة التي شنتها بعض وسائل الإعلام المصرية مؤخرًا ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من حيث علاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
ويتضمَّن التقرير ثلاث نقاط أساسية؛ أولها أنَّ اللجنة "قامت بصياغة ثلاثة بيانات لـ "حماس" وجناحها العسكري من بينها بيان وزّع على القنوات الأجنبية والباقي تمَّ توزيعها على المواقع المعروفة للرئيس عبَّاس، بما فيها وسائل الإعلام المصرية وخاصة صحيفة /الوطن/ وقناة /أون تي في".
وأشار التقرير إلى أنَّ هذه البيانات"لاقت صدى كبيراً وأحدثت تأثيرًا واضحاً على الشارع المصري، وأنَّ هذا التأثير انعكس على حركة "حماس" وقياداتها وكذلك إغلاق عدد من الأنفاق الحيوية التي تدر عليها بالمال والسلاح".
وحسب التقرير ذاته، فقد "كلفت اللجنة سفارة السلطة الفلسطينية في مصر بالتواصل مع القنوات المصرية المقربة منها وتزويدها بالكثير من القصص الإعلامية التي تساعد في تأكيد الربط بين "حماس" والإخوان المسلمين والضرر البالغ على مصر نتيجة لهذه العلاقة والتي تحاول الصاق الدموية بـ"حماس" ".
لم يكن هذا هو التحرّك الوحيد لمناهضة التقارب العربي مع حركة المقاومة الإسلامية حماس؛ اذ شاهدنا الرِّسالة التي أراد الرئيس الامريكي باراك أوباما ان يؤكّد عليها بزيارته للكيان الصهيوني وهو التاكيد على التأييد الكامل لإسرائيل؛ حيث تعهّد بدعمها بجميع الأشكال وعدم الضغط عليها، والاكتفاء بتقديم النُصح لها في النقاط المختلف عليها، داعيًا "الإسرائيليين" إلى حث قيادتهم على المجازفة من أجل السلام.
في المقابل، اكتفى بتقديم العواطف الباردة للفلسطينيين من دون أيّ رصيد عملي، باستثناء تقديم دعم مادي يمكِّن السلطة من الاستمرار في دورها الرامي الى التقارب مع الكيان الصهيوني، وهو بذلك قد حاول إرسال رسالة قويّة بعد "الربيع العربي" مفادها أنّ أميركا تقف إلى جانب إسرائيل، ولا ترضى إلاَّ بما توافق عليه إسرائيل. بيد أنَّ الرِّهان على نجاح تجربة الإسلاميين في بلدان الربيع العربي وعلى وجه الخصوص مصر سيكون العامل الأساس في معادلة التوازن الإقليمي وآليات الوقوف إلى جوار القضية الفلسطينية.