اليتامى في يومهم .. أين المحاضن التربوية ؟!

الرئيسية » بصائر تربوية » اليتامى في يومهم .. أين المحاضن التربوية ؟!
alt

استوقفتني لافتات إعلانية تدعو النّاس والجمهور إلى الاحتفال مع الأطفال اليتامى في يومهم داخل الدور التي خصّصت لإيوائهم وتقديم الخدمات لهم، كما شدَّ انتباهي كثرة الدور وتعدّد أسمائها وعناوينها التي تحتفل بيوم اليتيم الذي خصّص له الأسبوع الأول من شهر إبريل (نيسان) من كل عام ميلادي في عالمنا العربي، وكانت خلاصة ما استوقفني وشدَّ انتباهي هو تفشي ظاهرة اليتم في مجتمعاتنا وبلادنا الإسلامية، وغياب المحاضن الفاعلة في تنشئتهم على مبادئ التربية الإسلامية والرّعاية الصحيحة ليكونوا لبنات صالحة في مجتمعاتهم ومحيطهم.

لقد بيّن القرآن بوضوح أهمية الحفاظ على هذه الشريحة من المجتمع الإسلامي، فقال الله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وان تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم ان الله عزيز حكيم}.

وأكَّد القرآن الكريم على أنَّ الله تعالى يحفظ حق اليتيم ويبقى صلاح الوالدين له بعد الممات, قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}.

وحذّر المولى تبارك وتعالى من إهانة اليتيم وأذاه بأيِّ نوع من الاهانة والأذى، فقال في كتابه الكريم:{كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}، وقال سبحانه:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}.
"
إنَّ يتامى المسلمين ليسوا بحاجة إلى يوم خاص بهم وإلى رعاية مادية فحسب، بل إنهم بحاجة إلى توجيه الجهود وتضافرها إلى تحقيق الرعاية التربوية والنفسية والاجتماعية لهم
"

من هو اليتيم ؟

اتفق فقهاؤنا على أنَّ اليتيم هو من فقد أباه ولم يبلغ مبلغ الرِّجال، فمن مات أبوه قبل بلوغه يسمَّى يتيماً، ولو مات الأب وقد بلغ الصبي لم يكن يتيماً، وكذا لو ماتت ألام قبل بلوغه لم يكن يتيماً ، وأجمع الفقهاء على ذلك. وقال الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: (( لا يُتْمَ بعد الحلم )) (رواه أبو داود)، وقوله تعالى : {إذا بلغوا النكاح} أراد به البلوغ، فعبَّر عنه به، وقوله تعالى: {آنستم منهم رشداً } أي: علمتم منهم رشداً .

اليتامى في عالمنا العربي والإسلامي :

لا شك أنَّ نسبة اليتامى في عالمنا العربي والإسلامي في تزايد مستمر، وذلك لأسباب عدَّة منها الوفاة الطبيعية للوالدين، والحروب الدائرة والأزمات في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وبفعل الاحتلال الصهيوني وجرائمه المستمر ضد الشعب الفلسطيني، والجرائم العنصرية والطائفية في بورما والشيشان وأفغانستان وغيرها من البلاد .. كل ذلك يجعل المسؤولية كبيرة أمام المنظمات والهيئات والرّسمية والشعبية إلى تأسيس الدور والجمعيات المتخصصة في رعاية الأيتام والاعتناء بهم وفق أسس تربوية سليمة وخطط مدروسة لا تقف عند الكفالة المادية فحسب، وإنَّما تتعدّى إلى الرّعاية والكفالة التربوية والتعليمية والنفسية والاجتماعية، ولعلَّ تحقيق هذا الهدف المنشود له أهداف تعود بالنفع الدنيوي والأخروي لمن  يسعى إلى تحقيقه، كما  أخبر بذلك  رسولنا وقدوتنا صلَّى الله عليه وسلم في أحاديثه ..

خير البيوت !

جعل صلَّى الله عليه وسلّم خير البيوت البيت الذي فيه يتيم يكرم وشرّها البيت الذي فيه يتيم يهان؛ فعن أَبي هريرة أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال:  ((خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ)) ، ثُمَّ قَالَ بِإِصْبَعَيْهُ : ((أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ، وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبُعَيْه)). أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه في سننه.

علاجٌ للقلب القاسي !
"
إنَّ يتامى المسلمين ليسوا بحاجة إلى يوم خاص بهم وإلى رعاية مادية فحسب، بل إنهم بحاجة إلى توجيه الجهود وتضافرها إلى تحقيق الرعاية التربوية والنفسية والاجتماعية لهم
"

جعل  النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلّم مسح رأس اليتيم عطفاً وحنواً عليه سبباً لجلاء ومعالجة قسوة القلب؛ فعن أبي هريرة أَنَّ رَجُلاً شَكَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له: (( إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ)). أخرجه أحمد في مسنده.
وعن أَبِي أُمامة رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:  ((مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِى الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى)). أخرجه أحمد في مسنده.

ونختم هذا الموضوع بأبيات معبّرة للشاعر عبد الرحمن العشماوي :

انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ ... إلا صديقاً لليتيمِ حميماً
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ ... فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوماً
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على ... كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوماً
ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً ... للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيماً
ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ ... تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميماً
ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها ... وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيماً
انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له ... عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريماً
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما ... يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ ... مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيماً
ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ ... منها نجهِّز للحياةِ عظيماً
حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي ... نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيماً.

إنَّ يتامى المسلمين ليسوا بحاجة إلى يوم خاص بهم وإلى رعاية مادية فحسب، بل إنهم بحاجة إلى توجيه الجهود وتضافرها إلى تحقيق الرعاية التربوية والنفسية والاجتماعية لهم، فهل تكون الدور والجمعيات والمنظمات خير صديق لهم لتحقيق ذلك الهدف المنشود في تكوينهم وتنشئتهم ليصبحوا روّاداً في مجتمعاتهم ؟!

معلومات الموضوع

الوسوم

  • التربية
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …