لقد جاءت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية ناهية محذرة من رمي المسلمين بعضهم بعضاً بعبارات التفسيق أو التكفير، فلا يجوز لأي مسلم أن يقدم على هذا إلا ببرهان واضح ودليل قاطع، كما يجب عليه الاحتياط في ذلك، وكمال التثبت فيه، وضرورة التريث فيه إلى أبعد مدى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} [النساء:94].
ومن الأحاديث النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما)). (متفق عليه).
أي: باء بالإثم أحدهما، فإن كان صواباً فالكافر آثم بكفره، وإن كان خطأ فالمكفّر آثم بتكفيره من ليس كافراً.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((من دعا رجلاً بكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه)).
قال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث: (وهذا وعيدٌ عظيم لمن أكفر أحداً من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لما اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم، وخرق حجاب الهيبة في ذلك جماعة من الحشوية، وهذا الوعيد لاحق بهم إذا لم تكن خصومهم كذلك).
وعلى هذا الأمر إجماع علماء الأمَّة قديماً وحديثاً، فيقول الإمام حجة الإسلام الغزالي في كتابه "فيصل التفرقة": (ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلمٍ واحد).
ويقول الإمام الشهيد حسن البنا في الأصل العشرين من أصول الفهم: (لا نكفّر مسلماً أقرّ بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أوبمعصية إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة أو كذب صريح القرآن الكريم أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكف).
فما هو التكفير؟
التكفير هو وصف الشخص بالكفر، والكفر في لغة العرب هو الستر والتغطية. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة : (الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد وهو الستر والتغطية). والمراد بالتكفير في موضوعنا هنا هو: الحكم على الشخص بالخروج من الإسلام.
الغلو في التكفير ..
أكَّد العلاّمة القرضاوي في برنامج "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة الفضائية أنَّ التكفير لم يكن هو المحارب إنّما الغلو في التكفير، والتكفير لا بد منه، إنما المشكلة حينما تغلو في التكفير وتوسّع الدائرة وتكاد تكفّر المسلمين جميعاً هذه خطيرة جداً.
وبيّن القرضاوي أنَّ جماعات ظهرت معظمها من التي تنتسب إلى التشيّع الشيعة تتهم الآخرين بأنهم مكفّرون، يسمّون أمثالنا يعني تكفيريين نحن تكفيريين، وأردف بالقول: نحن لا نكفّر أحداً هم الذين يكفرون غيرهم فهم الذين استخدموا يعني المصطلح التكفيري، التكفيري يعني هو الذي يبالغ في تكفير غيره.
"
لا يكفر إلّا إذا خرج منه ما يدل على الكفر الحقيقي، الكفر المخرج من الملّة، أمَّا الكفر الذي يطلق على المعاصي وهذه الأشياء فليس هو الكفر المراد فلا بد أن يتحرّى المسلم في هذه الحقيقة
"
وفي المقابل، أوضح أنَّ أهل السنة بصفة عامة يتورّعون من التكفير لأنه لا يجوز للمسلم أن يكفّر غيره الأصل إن المسلم هو من شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله بهذه الشهادة يدخل دين الإسلام وتعصمه هذه الشهادة من الكفر، فلا يكفر إلّا إذا خرج منه ما يدل على الكفر الحقيقي، الكفر المخرج من الملّة، أمَّا الكفر الذي يطلق على المعاصي وهذه الأشياء فليس هو الكفر المراد فلا بد أن يتحرّى المسلم في هذه الحقيقة لماذا يسمّى الشخص تكفيرياً؟ لأنه يبالغ في التكفير يكفّر من عاداه، أهل السنة لا يفعلون ذلك نحن لا نكفّر الشيعة كلهم ولا نكفّر يعني كل من كان غير مسلم لا نكفّر بالذات مسلماً دخل في الإسلام إلّا بما يخرجه حقيقةً من الإسلام فهذه يعني قضية في غاية الخطورة.
التطرّف يقود إلى التكفير ..
قال الدكتور القرضاوي : إنَّ التكفيريين هم أول المتطرّفين يعني التطرف ينتهي بالإنسان من مرحلة إلى مرحلة إلى أن يصل إلى التكفير إذا وصل للتكفير ليس هناك شيء فوق التكفير، كفّرت الشخص وصلت به إلى النهاية الشخص لم يعد في هذه الحالة بينه وبين مجتمعه أي صلة انقطعت صلته بمجتمعه انقطعت صلته بأولاده انقطعت صلته بزوجته لم يعد له في هذا المجتمع أي نصيب فهذا نوع من التطرف، التطرف يعني ممكن الواحد يتطرف في الأفعال يتطرف الأقوال يتطرّف في العبادات واحد يزيد في الصلاة أكثر مما ينبغي يزيد في الصوم أكثر مما ينبغي يشدّد على الناس في أشياء فيها متسّع يعني فهذا نعتبره متطرفاً، في متطرف وفي متسيّب وفي يعني متطرّف غلا وفي ضده الذي يتطرّف إلى تحت الذي هو نسميه تسيّب هو الانفراط أو البعد عن الالتزام، والإسلام يرفض هذين الأمرين يرفض الغلو والتقصير لا إفراط ولا تفريط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] إنّ الله يعني يحبّ من المؤمن أن يكون متوسطاً في أموره كلها توسطاً إيجابياً يعني ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يعني حرّم التطفيف في الميزان {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ* أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن: 7-9] .
فلا طغيان في الميزان ولا إكثار في الميزان هذه الوسطية التي ندعو إليها، أما التطرف إنك تخرج بالأشياء أكثر مما يريد بها الإسلام، الإسلام يريد الناس دائماً في المنزلة الوسطى التي لا تخرج عن الطاقة العادية للإنسان العادي البشري فمن يخرج منا عن هذه الطاقة يعني نسميه إحنا متطرف أو مغالي، الشرع بسميه الغلو، ((إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم ))، الغلو في الدين كما قال ابن عباس، يقول الرسول: "هلك المتنطعون"؛ هلك المتنطعون" المتنطعون هم المتعمقون في أمر الدين ويبالغون فيه والمخرجون له عن اعتداله ووسطيته وتوازنه.
"
ليس من حق أي واحد أن يكفر إنساناً إلا إذا ظهر منه شيء قطعي يخالف قطعيات الإسلام، وهذا لا بد أن يحكم به قاضٍ مسلم يعني عالم مسلم يعرف الإسلام
"
خطورة التكفير ..
وأكَّد العلاّمة القرضاوي أنَّه ليس من حق أي واحد أن يكفر إنساناً إلا إذا ظهر منه شيء قطعي يخالف قطعيات الإسلام، وهذا لا بد أن يحكم به قاضٍ مسلم يعني عالم مسلم يعرف الإسلام ويعرف من الذي يبقي الشخص على الإسلام وما الذي يخرجه منه.
وقال: إنَّ الناس تتهاون في هذا الأمر وبعض الناس تكّفر ببعض الأشياء وهي ليست مكّفرة، لأنَّ الإسلام حريص على بقاء المسلم مسلماً يظل مسلماً كما هو يعني فلا يخل من إسلامه بأنه القاتل مثلا القتل ربنا قال عن القاتل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[ البقرة: 178] {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}[البقرة: 178] .
وبيّن أنَّه إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، مسلمان يسمّون مسلمين، لذلك استهل الإمام البخاري بهذا الحديث على أن القتال لا يخرج الإنسان من الإسلام، أحاديث كثيرة وآيات كثيرة تدل على أن المعاصي لا تخرج الإنسان من الدائرة الإسلامية.