للأطفال الصغار في أسرنا ومجتمعاتنا معاملة ونظرة خاصة تكتنفها الرّعاية والعناية لما تحتويه هذه الفئة العمرية من لعب ومرح وحركة دؤوبة لا تهدأ، وأصوات وجلبة وكلمات غير مفهومة وتصرفات فطرية في عالم غير عالمهم، لذا كان الاهتمام بهم من خلال التوجيه الصحيح والإرشاد المبكر مهمّة ثقيلة وواجباً ضرورياً على الوالدين تجاه فلذات أكبادهم كي ينشؤوا على خلق فاضل وأدب رفيع، ومن بين الأخلاق والآداب المختصة بالأطفال (أدب الاستئذان).
الاستئذان هو طلب الأذن، ويكون لدخول بيت أو غرفة من غرف المنزل، أو الانضمام إلى مجلس، أو الخروج منه، أو التصرّف في متاع غيره، أو إبداء رأي أو مشاركة في نشاط معيّن ...
ثلاثة أوقات ..
"
الاستئذان هو طلب الأذن، ويكون لدخول بيت أو غرفة من غرف المنزل، أو الانضمام إلى مجلس، أو الخروج منه، أو التصرّف في متاع غيره، أو إبداء رأي أو مشاركة في نشاط معيّن..
"
خصَّ الله تعالى في كتابه الكريم الأطفال الذي لم يبغلوا الحلم بأدب رفيع وخلق كريم وهو الاستئذان، فقال عزّ وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . سورة النور 58-59
فالأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف، خاطب الله أولياءهم بوجوب الاستئذان قبل الدخول عليهم في ثلاثة أوقات وهي :
مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ : أي في الليل وقت نومكم وخلودكم إلى الراحة .
وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ : أي وقت الظهر حين تخلعون ثيابكم للقيلولة.
وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ : أي ووقت إرادتكم النوم واستعدادكم له.
وسمّى الله تبارك وتعالى هذه الأوقات بالعورات فقال :{ثَلاثُ عَوْرَاتٍ} أي هي ثلاثة أوقات يختل فيها تستركم، العوراتُ فيها بادية والتكشف فيها غالب، فعلِّموا صبيانكم ألاّ يدخلوا عليكم في هذه الأوقات إلا بعد الاستئذان . ثم قال سبحانه :{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَليْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } . أي : ليس عليكم ولا عليهم حرجٌ في الدخول عليكم بغير استئذان بعد هذه الأوقات الثلاثة. معلّلاً سبب ذلك بقوله :{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ}. قال أبو حيان في تفسيره : (أي: يمضون ويجيثون ويدخلون عليكم في المنازل غدوةً وعشية بغير إذن إلا في تلك الأوقات).
الاستئذان بعد البلوغ ..
يقول الله تعالى في هذا الشأن: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ النور59 ] .
بعد بلوغ الأطفال يصبح حكم الاستئذان عليهم واجب في جميع الأوقات، وينبغي عدم التساهل في هذا الأمر لما له من خطورة بالغة على نفسية الطفل، وغرس فيها التساهل في المحارم، وإذا ما تعوَّد الغلام منذ نعومة أظافره أن يستأذن على والديه كما أمر الله تعالى، نشأ على هذا الأدب الرّفيع، وأصبح ملكة في نفسه، ونال تقدير وحب النّاس.
آداب الاستئذان ..
"
إنَّ تعويد أطفالنا على أدب الاستئذان في كلّ الأمور كفيلٌ بتنشئتهم على أخلاق فاضلة كثيرة عند يصبحوا شباباً ليستفيدوا من خبرات غيرهم..
"
إنَّ الآيات القرآنية السابقة تبيّن بوضوح اهتمام ديننا الحنيف بتربية الأطفال اجتماعياً وتكوينهم سلوكياً وخُلُقياً، حتى إذا بلغ سنّ الشباب كانوا النموذج الحيّ عن الإنسان الكامل في أدبه وخلقه، وتصرفه واتزانه، وفيما يلي نعرض لبعض آدابه من خلال أحاديث النبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام:
1.أن لا يدقّ الباب بعنف: ولا سيَّما أن كان ربّ المنزل أباه أو أستاذه أو ذو فضل... وأمَّا إذا كان على الباب جرس كما جرى العُرف اليوم فيقرع المُستأذِن بقرعة خفيفة لطيفة لتدل على لطفه وكرم أخلاقه ومعاملته.
2.عدم الوقوف أمام الباب: خشية أن يمتد بصره إلى من بداخل البيت لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: ((إنما جعل الاستئذان من أجل البصر))، "فدلَّ على أنه لا يجوز النظر في دار أحد إلاَّ بإذنه..
3.أن يُسلِّم ثمَّ يستأذن: لما روى أبو داود أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام لخادمه: ((فسمعه الرَّجل فقال: السَّلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلّى الله عليه وسلم فدخل)).
إنَّ تعويد أطفالنا على أدب الاستئذان في كلّ الأمور كفيلٌ بتنشئتهم على أخلاق فاضلة كثيرة عند يصبحوا شباباً ليستفيدوا من خبرات غيرهم، ولا يُقدمون على شيء إلا بعد سؤال أهل التجربة والخبرة، بالإضافة إلى احترام خصوصيات الآخرين، والتمسك بخلق الاتزان والتأني وعدم الاستعجال.