تمرّ في هذه الأيام الذكرى الخامسة والستون للنكبة الفلسطينية، حيث شرّد الاحتلال عشرات الآلاف من الفلسطينيين، فطردهم من بيوتهم وأراضيهم، ليجعلهم لاجئين ومشرّدين في شتى بقاع العالم، ينتظرون اليوم الذي يعودون فيه إلى أرضهم وقراهم وبيوتهم.
مشهد يمثل وصمة عار على جبين البشرية، وكلما تكرر كشف زيف الديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالما تغنّت بها الدول الغربية، حينما تآمرت على طرد شعب ضعيف ليحل محله من لا يستحقون العيش على تلك الأرض، ناهيك عن سعي تلك الدول لحماية كيان الاحتلال، متناسين تلك القضية التي ما زال الشعب الفلسطيني يعاني من نتائجها وآثارها.
إنّ ذكرى النكبة، لا تمثل مأساة شعب فلسطين فحسب، بل تمثل نقطة سوداء في تاريخ الأمة الإسلامية خصوصاً والعالم عموماً، وفي نفس الوقت هي زاد للشعب الفلسطيني لتذكر قضيته وحقيقتها وطبيعة المعركة مع المحتل.
خيوط مؤامرة
"
في هذه الذكرى تمرّ القضية الفلسطينية بمؤامرات داخلية وخارجية، لتصفيتها والالتفاف عليها، حتى أضحى المشروع الفلسطيني محل خلاف بين الفلسطينيين أنفسهم، بعد أن كان موحداً بينهم جميعاً، أساسه تحرير الأرض، وعودة اللاجئين إلى كل فلسطين.
"
في هذه الذكرى تمرّ القضية الفلسطينية بمؤامرات داخلية وخارجية، لتصفيتها والالتفاف عليها، حتى أضحى المشروع الفلسطيني محل خلاف بين الفلسطينيين أنفسهم، بعد أن كان موحداً بينهم جميعاً، أساسه تحرير الأرض، وعودة اللاجئين إلى كل فلسطين.
إنّ المؤامرة على القضية الفلسطينية، وقبول التفاوض على الثوابت، والتعايش مع المحتل، قلب بعض المفاهيم، وأخرج الباقي عن حقيقته. فالصراع مع المحتل تحوّل من صراع وجود إلى صراع على الحدود، وتحول شعار مقاومة الاحتلال إلى التسوية وقبول التعايش مع المحتل، في حين تحولت المقاومة العسكرية إلى احترام أوسلو وغيرها من الاتفاقيات حتى لو تخلى الاحتلال عنها. لذا لا غرابة أنَّ نجد تبايناً واضحاً بين مواقف الفلسطينيين أنفسهم وتصوراتهم في مواضيع حساسة وخطيرة كمقاومة الاحتلال، وعودة اللاجئين، وتهويد المقدسات وغيرها.
ألم وأمل
ورغم ما يحاك ضد القضية الفلسطينية من مؤامرات، فإنَّ مشهد ملايين اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان وغيرها، ما زال يعكس تلك الصورة التي تجمع بين الألم والحسرة على ذكرى طردهم من بيوتهم وقراهم دون وجه حق، والأمل بالعودة خصوصاً في ظل الربيع العربي، وحالة التغيرات التي يشهدها العالم العربي، وتنامي الشعور العربي والإسلامي بوجوب تحرير فلسطين من أيدي اليهود الغاصبين.
إنّ اللاجئين الفلسطينيين يمثلون الأغلبية الساحقة للشعب الفلسطيني، والذين لا يجوز تجاهل مطالبهم بالعودة إلى فلسطين كل فلسطين، وإلا اعتبر ذلك خيانة لقضيتهم وتنكراً لتضحيات الشهداء والمجاهدين الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحرير الأرض.
أولويات ضرورية
تفرض هذه الذكرى المؤلمة على الشعب الفلسطيني وقياداته، وبقية شعوب العالم واجبات عديدة، ينبغي القيام بها لإنهاء دولة الاحتلال العنصرية واستعادة كافة حقوق الشعب الفلسطيني.
فعلى الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين، التذكر بأنهم خط الدفاع الأول عن هذه القضية، وأن تمسكهم بثوابت قضيتهم وصمودهم يعطي من في الخارج دفعة معنوية وأملاً كبيراً في العودة إلى الديار، وينبغي على الفلسطينيين خصوصاً في الضفة الغربية مقاومة أية محاولة تجعلهم خاضعين للمحتل، أو سلخهم عن هويتهم ومعالم قضيتهم، وتقبل وجود الاحتلال.
"
يجب على القادة السياسيون، القيام برص الصفوف، وتحديد معالم المشروع الوطني الفلسطيني، وترتيب البيت الفلسطيني بما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، وإطلاق مشروع مقاومة شامل ضد الاحتلال.
"
أما القادة السياسيون، فيجب عليهم أن يقوموا برص الصفوف، وتحديد معالم المشروع الوطني الفلسطيني، والتأكيد على ثوابته وركائزه، وهذا بدوره سيقدم إجابات واضحة لكل التساؤلات، ويحجم من حالات التباين بين المواقف، ولابد أن يتم هذا كله عبر ترتيب البيت الفلسطيني، وتوحيد قيادته، بعيداً عن هيمنة الاحتلال، وبما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، ويخدم قضيته.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإنَّ على القيادات الفلسطينية أن تقوم بواجبها في إطلاق مشروع مقاومة شاملة للاحتلال، بحيث يكون هدفها استرجاع الأرض وطرد الاحتلال، فلا شرعية لليهود على أرض فلسطين، مهما مرت السنوات والأعوام، وحق الشعب الفلسطيني بأرضه لا يسقط بالتقادم. كما لابد أن تقوم القيادات الفلسطينية بواجبها في استنهاض الهمم، وتحفيز الشعوب على القيام بدورها لتحرير فلسطين، خصوصاً في ظل الربيع العربي وتنامي مطالب الشعوب بالحرية ورفض الظلم والاستبداد.
أما بقية الشعوب العربية والإسلامية، فينبغي عليها أن لا تنسى أن قضية فلسطين ليست قضية شعب اضطهد وهجر من أرضه. وإنما هي قضية أرض إسلامية جرى الاعتداء عليها، واحتلالها، وتدنيس مقدساتها. لذا ينبغي على قادة تلك الشعوب والدعاة القيام بتوعية شعوبهم بحقيقة القضية وأبعادها، وبيان دورهم تجاهها، والضغط على القيادات السياسية لاتخاذ مواقف مناصرة للشعب الفلسطيني، وفك الحصار عنه، بعيداً عن التفريط بالثوابت والتنازل عنها.