القرني : جميع الأديان السماوية اهتمت بالسياسة

الرئيسية » بصائر الفكر » القرني : جميع الأديان السماوية اهتمت بالسياسة
alt

أكَّد  الداعية الإسلامي الدكتور عوض القرني  أنَّ جميع الديانات السماوية اهتمت بالسياسة، فالإسلام  معنيّ بالشأن السياسي بصورة واسعة جداً لكن من خلال ضوابط وضعها وأحكام وقيم وحدود,  فديننا  شامل لقضايا الحياة كلها {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]

وأشار  خلال استضافته في برنامج " الشريعة والحياة " على فضائية  الجزيرة مؤخراً   إلى أنَّ الإسلام يعلّمنا في كتابه الخالد أنَّ دعوات الأنبياء السَّابقين كانت معنية بقضية السياسة، ولذلك بقوله سبحانه وتعالى وهو يخاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة:43]، فكان موسى معنيّ بالشأن السياسي ويقول أيضاً عن عيسى صلوات الله وسلامه على نبيّنا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين {وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} [المائدة:46] فعيسى وإن جاء بالإنجيل كتعليمات أخلاقية وتوجيهات سلوكية ومواعظ قلبية لكنه أكّد في الإنجيل والقرآن صدّق هذا الذي يقال أن التوراة أنه متمم لما في التوراة ومصدّق لما فيها.

نافياً ما يتردَّد عن  أنَّ الأديان السَّابقة للإسلام  كانت فقط عبادات وأخلاقيات وسلوكيات لا علاقة لها بالسياسة أو بشؤون الحياة . مرجعاً السبب في ذلك إلى  التحريف والتغيير والتبديل الذي طال تلك الديانات، فأصبحت تشكّل بسبب هذا التحريف عبئاً على الناس وكهنوت وأصبحت تشكّل إصراً وأغلالاً، فلما أراد الناس أن يتحرَّروا من هذا الإصر والأغلال والكهنوت نبذوها في داخل المعابد وخرجوا إلى الحياة برؤاهم  الذاتية والشخصية وافترضوا بعد ذلك أنَّ كلَّ دين يجب أن يكون بعيداً عن شأن الحياة وليس عن الشأن السياسي فقط، ففصلوا بين الدين و الواقع , فنتج عن ذلك من قيام دول لا دينية على الإطلاق.

واعتبر القرني ما يثار عن فصل الدين عن الدولة هو سجن للإسلام وحبس له في  مساجد كما حبست الأديان السابقة في الكنائس.  مؤكداً أنَّ هذا المفهوم  مستورد مع الأسف الشديد عندما أمتنا سقطت حضارياً وتمزقت سياسياً وهيمن عليها الآخرون ابتداءً بجيوشهم وبوارجهم ودباباتهم ومدافعهم وحروبهم، ثمَّ بعد ذلك بمناهجهم وهيمنتهم وخلفائهم فاستوردت كثيرا من المفاهيم، من هذه المفاهيم أنَّ الدين عند الآخرين هو قضية كهنوتية شعائرية بحتة، ولذلك الشعار معروف "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر".

مشدّداً على أنَّ الدين كلّه واحد في الأصل، وأنَّ الإسلام جاء مصحّحاً لما وقع من تحريف في الأديان السَّابقة ومحتوياً ومشتملاً على أسباب الخلود باعتبارها رسالة خالدة. موضحاً أنَّ الجانب السياسي  متغيّر لحظي ويومي، فكان له أصول عامَّة وضوابط محدّدة وتركت التفصيلات للناس، و ليس فيه نهائيات وقطعيات قضايا الغيبيات وليس فيه تفصيلات الشعائر والعبادات، وكذلك ليس له ثبات الأحوال الشخصية من المواريث والطلاق، بل حتى الجوانب الاقتصادية هي أكثر ثباتاً ولا تستقيم حياة الناس بغيرها، ولذلك جاءت أحكامها أكثر تفصيلاً بينما في الجانب السياسي نجد  مثلاً  أنَّ الشورى شرعت  وترك للناس كيفية استثمار هذه الشورى وآلياتها, وواجب الشرع إقامة الإمامة والحكومة وتُرك للناس كيفية تحديدها,  و أوجب  على الناس تحقيق وحدة الأمَّة وترك لهم آليات تحديد هذه الوحدة.

وأوضح الدكتور القرني أنَّ هناك  العديد من القيم الحاكمة للعمل السياسي   أبرزها  العدل، والعدل لدينا قيمة مطلقة في الإسلام  أي ليست نسبية ولا ظرفية وليست عنصرية وليست متغيرة بتغير المصلحة الذاتية، فالعدل مطلق لدينا مع العدو والصديق ومع القريب والبعيد ومع المخالف، ولذلك كان أحد أهداف الجهاد هو الدفاع عن المستضعفين من الرِّجال والنساء والولدان حتى لو لم يكونوا من المسلمين، يقول الإمام ابن حزم في كتاب ((المحلّى)) :  " لو أسر الحربيون من أهل ذمتنا أحداً  من مواطن الدولة الإسلامية ولا يمكننا أن نستخلصهم إلاّ بحرب لوجب أن نعلن الحرب حتى لو أتت على المسلمين كافة من أجلهم".

وأضاف أمَّا القيمة الثانية هي الشورى  أي أنَّ الحكومة  نائبة عن الأمَّة وقائمة على شأن عام مشترك للمجتمع كلّه وبالتالي لا يجوز لها أن تستبد بأمر للناس من دونهم، فلا بد من الشورى لإيصال الحقوق  وتحقيق الولايات و عقد المعاهدات؛ يقول سبحانه وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65].

النبي عليه الصَّلاة والسَّلام الله سبحانه وتعالى يأمره والوحي يتنزل عليه فيقول {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] إذن إذا كان الذي يتنزل عليه الوحي أمر بالمشاورة وتنازل عن رأيه حين لا يكون وحياً للناس كما في يوم أحد، وكما في يوم بدر مع الحُباب بن المنذر على الآبار، فمن الذي يمكن أن يأتي بعد النبي صلّى الله عليه وسلم ويزعم أن له الحق في الاستبداد بأمر الأمَّة من دونها، ولذلك أبو بكر الصدّيق الخليفة الأوَّل يقول على المنبر في أول أيام من خلافته يقول: (وليت عليكم ولست بخيركم فإن أصبتُ فأعينوني وإن أخطئت فقوموني).

كما أشار القرني إلى أنَّه بين تلك القيم أيضاً  أنه لا يجوز للأكثرية أن تظلم الأقلية والظلم محرَّم لدينا،: ووصف القرني مصطلح الإسلام السياسي بالمصطلح المرفوض،  وقال لدينا إسلام واحد و الدين كله لله بكل مكوناته، فالقضية التدبيرية لدينا  من أعظم أبواب العبادات، فعندما نتحدث عن تسيير الدّولة الإسلامية نتحدَّث عن إقامة الدين بعباداته وتشريعاته وفق رغبات الناس الذين لا يصح تدينهم وعباداتهم إلى الله إلاّ إذا قام دينهم، إذا كانت إقامة العدل بين الخلق ومنع التظالم ودفع الاستبداد والعدالة في توزيع الثروات إذا كانت في إقامة الشعائر  والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمنع الفساد، أيّاً كانت صور هذا الفساد؛  فالدين  يدخل في الشأن العام  وفي أدقّ تفاصيل الحياة  ابتداءً من كيف ينام الإنسان على فراشه وماذا يقول إذا نام؟ وكيف يتعامل مع زوجته؟ بل ماذا يفعل إذا دخل الخلاء وخرج وانتهاء بالعلاقات الدولية بين الدولة الإسلامية ودول العالم المختلفة من الصديقة ومن المحاربة ومن المعاهدة،  فالإسلام لدينا  ينظم الحياة كلّها.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • السياسة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

    الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …