{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.. خطابٌ للمؤمنين في أصقاع العالم كافة على وجوب صيام شهر رمضان، فمنذ أن فرض المولى سبحانه وتعالى الصيام على الأمَّة الإسلامية في السنة الثانية للهجرة، والمسلمون يستعدون لاستقبال هذا الشهر الفضيل ويتهيّؤون للاستفادة منه كموسم تربوي خلال السنة كلّها والتزوّد منه بالتقوى كما أرشد ربنا في كتابه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
ومع انتشار الإسلام على مساحات واسعة من العالم وتنوّعها واختلافها جغرافياً واجتماعياً وعرقياً يبقى لهذا الشهر المبارك ميزة خاصة وخصوصية واضحة لدى جميع المسلمين على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وألوانهم..
ومن تلك البلاد التي تحتفل أيّما احتفال بشهر رمضان وتخصّه بنشاطات متميّزة ومتنوعة بلاد البلقان؛ التي ستكون (بصائر) حاضرة هناك عبر لقاءات مع دعاة وباحثين وأساتذة من مقدونيا والبوسنة وكوسوفا وألبانيا، تناقش معهم واقع المسلمين في بلاد البلقان وأوضاع المسلمين، وتبحث معهم استقبال المسلمين لهذا الشهر الفضيل وأبرز النشاطات والفعاليات خلاله.
وفي الجزء الأوَّل من هذه التقارير نحطّ الرّحال في جمهورية مقدونيا، رافعين لافتة: (مقدونيا تتزيّن لشهر رمضان).
معلومات عن مقدونيا
مقدونيا دولة تقع في وسط شبه جزيرة البلقان في جنوب شرق أوروبا؛ إنها واحدة من الدول التي خلفت يوغوسلافيا السابقة، التي أعلنت استقلالها في عام 1991 بسلام ودون حروب، حيث وقَّعت حكومتها اتفاقًا أمَّنت به خروج الجيش اليوغوسلافي من قواعده بمدن مقدونيا بهدوء وسلام لتجنيب البلاد دفع مقابل باهظ للاستقلال، يحدّها كوسوفو الى الشمال الغربي، وصربيا من الشمال، إلى الشرق بلغاريا، اليونان إلى الجنوب وألبانيا إلى الغرب.
وتقدّر مساحتها: 25,713 كم2، ويبلغ عدد السكان فيها ما يقارب 3 ملايين نسمة، يشكّل المسلمون منهم33%، والمسلمون من عدة الجنسيات، أغلبهم ألبان (25 %) والباقي هم من الأتراك، والغجر، والتوربيش والبوسنيين.
الإسلام في مقدونيا
(بصائر) التقت الداعية والباحث الإسلامي المقدوني "حميت شعباني" الخطيب في مسجد "القديم" بمدينة غوستيفار المقدونية؛ والذي أكَّد أنَّ هناك معلوماتٍ تاريخية تشير أنَّ الاسلام عُرف لدى سكان هذه المنطقة قبل وصول العثمانيين، ولقد تمَّ فتحها على أيدي دولة العثمانية عام 1392م، ومن هنا فعليا تبدأ علاقات سكان هذه المنطقة بالإسلام.
وقال الدَّاعية شعباني: " كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها وازدهارها حينما اكتسحت أوروبا الشرقية، فتهاوت مدنها ودولها تحت ضربات الجيش العثماني المسلم، ووصلت طلائع هذا الجيش إلى مدينة "فيينا" لتحاصرها فترة من الزَّمن، ويتسابق ملوك أوروبا بإعلان الولاء والانقياد للسلاطين العثمانيين، الذين كان همهم الأول وشغلهم الشاغل الجهاد في سبيل الله، ونشر كلمة التوحيد في كل مكان".
وذكر لـ(بصائر) أنَّ المشيخة الإسلامية في مقدونيا تقوم بمهمة تنظيم حياة المسلمين عبر 13 دوراً للإفتاء و580 مسجداً، وأنَّ المسلمين يتمركزون في المدن الكبرى مثل العاصمة سكوبيا، تيتوفو، غوستيفار وكومانوفا.
استقبال شهر رمضان في مقدونيا
عند سؤالنا الباحث الإسلامي "حميت شعباني" كيف يستقبل المسلمون في مقدونيا شهر رمضان؟ أجاب: " شهر رمضان من الشهور الخاصة والمؤثرة جدًّا في حياة مسلمي مقدونيا وله صبغة خاصة؛ فإنَّ الشعائر والعبادات تقام طوال اليوم والليل، وترتيل آيات القرآن الكريم لا ينقطع من المساجد، ومن أهم مظاهر الألفة والمودة التي تظهر بين مسلمي مقدونيا بعضهم البعض وأيضاً بينهم وبين أفراد المجتمع مهما كانت ديانتهم هو الاجتماع على موائد الرَّحمن. كما أنَّ شهر رمضان يعدُّ انطلاقة للعديد من حملات التوعية بضرورة التآخي والمصالحة مع النفس ومع الآخرين، أو الابتعاد عن المخدرات والتدخين وتناول الكحول".
مقدونيا تتزّين لهذا الشهر الفضيل
ذكر لنا الداعية الإسلامي "حميت" أنَّ من أهم مظاهر الاحتفال بهذا الشهر الفضيل:
1. المصابيح الكهربائية والزينات، حيث توضع على مباني دور العبادة، المآذن والمحلات وتكون مختلفة في الأشكال والألوان ابتهاجاً بقدوم شهر الخير والبركات، كل هذا الضياء ليس فقط لإنارة المباني وإنما لإيقاظ روح التعاون بين الجميع ومساعدة من يملك لمن لا يملك.
2. المسحراتي الذي يرتدي زيًّا خاصًّا به أثناء أداء مهمته، ويمتاز بالدف الذي يستخدمه بحجمه الكبير، حتى يستطيع إيقاظ أكبر عدد من النائمين لتناول السحور وأداء صلاة الفجر.
3. قراءة جزء من القرآن الكريم يوميا في جميع المساجد وهو ما يعرف لدى المسلمين بـ المقابلة.
4. الدروس الرمضانية: وهي دروس يومية تلقى في جميع المساجد للجنسين، كما ان هناك مقالات دينية في الصحف اليومية ومحاضرات عبر راديو والتلفاز.
5. تنظيم إفطارات جماعية في أيام متتالية من قبل المشيخة الإسلامية في المدن المختلفة يضمُّ مئات الصَّائمين.
كما أوضح أنَّ الهبات والصدقات والمنح تكثر في هذا الشهر المبارك التي تحوّل المحتاجين في هذا الشهر إلى أغنياء على مائدة غنيّة بكل ما لذ وطاب.
وفي الختام، تتمنّى (بصائر) للمسلمين في مقدونيا صياماً مقبولاً ونشاطاً إسلامياً مميّزاً في هذا الشهر الفضيل ورمضان مبارك للمسلمين في كل أماكن وجودهم .. ولنا لقاء ثانٍ ضمن سلسلة تقارير: (رمضان في بلاد البلقان) نحطّ الرّحال فيه في جمهورية البوسنة، فإلى اللقاء..