لم يقتصر دور الأم المسلمة على البناء الإيماني والأخلاقي لأبنائها، بل اهتمت بتدريبهم على فنون القتال، وتحريضهم على حسن البلاء في الحروب، فقد ناولت أم ولدها الصغير سيفاً، فرآه قصيراً، فقال: إنه قصير يا أماه، فقالت: تقدم يا بني خطوة يطُل"، وعندما همَّ المسلمون بفتح قلعة رأس العين، وصل إلى المدينة غلام اسمه جميل بن سعد الداري، وكان أرمى خلق الله بالنبل، فقال لأمه العجوز التي جاءت تشيعه قبل المعركة:" يا أماه، أريد أن أجاهد هذا اليوم في الله حق جهاده، فلعلي ألحق بإخواني وجدي، الذين قتلوا بين يدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ثم ودعها وسار، فقالت: يا بني سر والله ينصرك ويؤيدك".
وهذه أم تخرج مع ولدها وبنتها من اليمن إلى الشام تشجيعاً له على الجهاد في سبيل الله، وسمعت البنت أخاها يقول: "إنما أذهب لأقاتل لمرضاة الله عز وجل، وقد سمعت معاذ بن جبل يقول: إن الشهداء عند ربهم يرزقون، فقالت له أخته: كيف يرزقون وهم أموات؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى يجعل أرواحهم في حواصل طيور الجنة، فتأكل تلك الطيور من ثمار الجنة وتشرب من أنهارها، فتغدوا أرواحهم في حواصل تلك الطيور، فهو الرزق الذي جعله الله لهم، فلما كان قتال قيسارية خرج ذلك الغلام إلى القتال بعد أن ودع أمه وأخته وداع الموت، وقال لهم نجتمع على حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقاتل حتى استشهد.
"
لم يقتصر دور الأم المسلمة على البناء الإيماني والأخلاقي لأبنائها، بل اهتمت بتدريبهم على فنون القتال، وتحريضهم على حسن البلاء في الحروب
"
ووظفت المرأة المسلمة عاطفة الأبناء نحو آبائهم الشهداء في تشجيعهم على جهاد الأعداء، فهذه أسماء بنت عميس الخثعمية تحرض ولدها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي استشهد أبوه سنة(8هـ=629م) في معركة مؤتة، إذ كان عبد الله عندما كبر وترعرع يقول لأمه:" يا أماه ما فُعل بأبي؟ فتقول: يا ولدي قتله الروم، فكان يقول: لئن عشت لآخذن بثأره".
وشجعت النساء المسلمات أبناءهن على القتال في المعارك الكبرى، حتى وهم صغار، ففي معركة اليرموك قال معاذ بن جبل:" يا معاشر المسلمين من أراد فرساً يقاتل عليه في سبيل الله فهذا فرسي وسلاحي، فجاءه ولده عبد الرحمن وقال: أنا يا أبت، وكان غلاماً لم يحتلم، فلبس السلاح وركب الجواد"، وما كان لهذا الغلام الصغير أن يتجرأ على القتال في معركة فاصلة كمعركة اليرموك لولا حصوله على حظ وافر من التربية الإيمانية الجهادية، ولا عجب أن يكون هذا الغلام مقداماً، وهو يرى أباه في ساح الوغى، ويرى ابنة عم أبيه أسماء بنت يزيد بن السكن وهي تقتل سبعة من الروم بعمود فسطاطها.
"
لقد حبّبت الأمهات المسلمات أبناءهن في الجهاد والاستشهاد، ودفعنهم إلى هذا الطريق، وقد فعلن ذلك حباً لأولادهن، ورغبة في الخير لهم، وقناعة يقينية بأن الاستشهاد أقصر الطرق إلى الجنة ونعيمها
"
وقد مارست الأم المسلمة التربية الجهادية لأبنائها من خلال إسداء النصائح العسكرية المهمة، والتي حصلت عليها من خلال تجاربها الخاصة وتجارب الآخرين، فهذه أم الذيال العبسية توصي ابنها، وكان من أشد العرب، فتقول:" يا بُني لا تنشب في الحرب، وإن وثقت بشدتك، حتى تعرف وجه المهرب منها، فإن النفس أقوى شيء إذا وجدت سبيل الحيلة، وأضعف شيء إذا يئست من الحيلة، وأحمد الشدة ما كانت الحيلة مدبرة لها، واجلس مع من تحارب جلسة الذئب، وطر منه طيران الغراب، فإن الحذر زمام الشجاعة، والتهور عدو الشدة".
كما مارستها من خلال الاهتمام بأولاد الشهداء، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، بتذكيرهم بما أعده الله لآبائهم من أجر، ولهم كأبناء شهداء من شفاعة ومغفرة، فيشبوا وهم راغبون في أن يسلكوا درب آبائهم، فقد حدَّث ابن رباح الذماري قال:" دخلنا على أم الدرداء، ونحن أيتام صغار، فمسحت رؤوسنا، وقالت: أبشروا يا بَنيّ، فإني أرجو أن تكونوا في شفاعة أبيكم، فإني سمعت أبا الدرداء يقول:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته".
لقد حبّبت الأمهات المسلمات أبناءهن في الجهاد والاستشهاد، ودفعنهم إلى هذا الطريق، وقد فعلن ذلك حباً لأولادهن، ورغبة في الخير لهم، وقناعة يقينية بأن الاستشهاد أقصر الطرق إلى الجنة ونعيمها.
إنَّ هذه الروايات تذكرنا بنساء فلسطين المسلمات اللائي اقتدين بالجيل الأول من نساء الصحابة والتابعين، وصرن يربين أولادهن تربية جهادية، ويدفعنهم إلى طريق الجهاد والاستشهاد، حتى أنجبن جيلاً من المجاهدين والاستشهاديين، استطاع أن يقهر المحتلين الصهاينة، ويوجه إليهم الضربات الموجعة، ويهز أركان كيانهم المغتصب، ويجعل القدس أقرب من أي وقت مضى إلى التحرير، وما أحوج أمتنا اليوم إلى أمهات ونساء يقتدين بالصحابيات والتابعيات، فيصلحن أنفسهن، ويحسِنَّ تربية أبنائهن، ويصنعن للأمة رجالاً يتحقق على أيديهم النصر والتحرير والتمكين.
المصدر: فلسطين أون لاين