لا شكَّ أنَّ للأناشيد الإسلامية الموجَّهة للأطفال على مختلف أعمارهم دوراً ذا أهمية كبيرة في تربيتهم وتوجيههم وتنمية الذوق السليم في نفوسهم والأخلاق الفاضلة في تصرّفاتهم والشعور بالمسؤولية والمشاركة المجتمعية الفاعلة، وكلّما كانت كلماتُ الأناشيد معبّرة ومصحوبة بصوت شذي وإيقاع جميل كان تأثيرها أكبر وأعمق، فالطفل الرّضيع الباكي القلق مثلاً يشعر بالطمأنينة والسكينة عندما تسمعه أمّه لحناً وترتيلاً بصوتها وهي تحرّك أناملها بإيقاع على جسمه أو سريره.
كما تعدُّ الأناشيد الإسلامية رافداً مهمّاً من روافد العقيدة الإسلامية والثقافة الرَّصينة من خلال المحافظة على نقاء وصفاء فطرة الأطفال وتعزيز المعاني الإيمانية في قلوبهم والقيم الإسلامية لديهم.
وتذكّر الأناشيد الطفل بالمناسبات والأعياد الإسلامية المتعلقة بالشعائر التعبدية والأحداث التاريخية، لتساهم في التعريف بالعبادات وفضائلها والدعوة إليها وتقديم نماذج من القدوة لبعض الشخصيات، وتعزيز حب الوطن والمحافظة عليه والعمل على بنائه ونهضته والدفاع عنه.
"
تعدُّ الأناشيد الإسلامية رافداً مهمّاً من روافد العقيدة الإسلامية والثقافة الرَّصينة من خلال المحافظة على نقاء وصفاء فطرة الأطفال وتعزيز المعاني الإيمانية في قلوبهم والقيم الإسلامية لديهم
"
ولا يخفى على الأم المربيّة وهي تمارس عملهما التربوي الدائم مع أبنائها الدور الكبير للأناشيد الإسلامية في العملية التربوية - لما سبق ذكره – فحسن انتقاء واختيار الأناشيد الإسلامية قد يغني عن كثير من التوجيه المباشر ودروس التلقين، ويختصر الوقت ويُبعد الأطفال عن الملل والضجر.
ويزخر عالمنا العربي والإسلامي بشعراء أفذاذ كتبوا للطفولة المؤمنة ومنشدين متألقين لحّنوا وأنشدوا كلماتهم، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، عمر بهاء الدين الأميري (ت:1992م)، والدكتور يوسف العظم (ت:2007م)، وسليم عبد القادر (ت:2013م)، ومحمد موفق سليمة وغيرهم.
ولعلَّ من أغزر هؤلاء المذكورين إنتاجاً هو الأستاذ الشاعر سليم عبد القادر زنجير؛ الذي نذكره اليوم وقد وافته المنيّة فجراً بعد صراع طويل مع المرض، والذي كانت له بصماتٌ واضحةٌ في الأناشيد التربوية الموجّهة للأطفال، واستطاع أن يؤدّي رسالته الهادفة بأسلوب فني رائع، وترك دواوين كثيرة حريّة بأن نتخذها رافداً مهمّاً لمناهجها التربوية انطلاقاً من الأسرة والمسجد والمدرسة والنوادي المختلفة.
ويعدُّ الشاعر سليم عبد القادر رائد الأدب الإسلامي للأطفال في الشعر الموجّه إليهم، وقد أدّى شعره إنشاداً لفيفٌ من منشدي الدَّعوة كأبي راتب وأبي الجود وأبي دُجانة ويحيى حوى وموسى مصطفى وغيرهم.
وفيما يلي نقدّم للأم المربيّة لمحاتٍ من سيرة شاعر النفحات الإيمانية وشاعر الأطفال ونماذجَ من أعماله لهم - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه - لتكون هذه الأسطر مقدّمة للاستفادة من الأعمال التي تركتها الشاعر في تعزيز المناهج التربوية ووضعها ضمن البرامج التعليمية، وتحفيزاً للأبناء على حفظها وإنشادها ونشرها والتفاعل معها.
"
الشاعر سليم عبد القادر رائد الأدب الإسلامي للأطفال في الشعر الموجّه إليهم، وقد أدّى شعره إنشاداً لفيفٌ من منشدي الدَّعوة كأبي راتب وأبي الجود وأبي دُجانة ويحيى حوى وموسى مصطفى وغيرهم
"
لمحاته من حياته ..
ولد الشاعر سليم عبد القادر زنجير في مدينة حلب السورية عام 1953م، ودرس تخصص الهندسة المدنية بجامعتها، لكنّه لم يكمل دراسته لظروف البلاد، ليتنقل للعمل في المملكة العربية السعودية .
كتب الشعر لأوّل مرّة في عام 1972م، وكان ينشر كتاباته في مجلات حضارة الإسلام والشهاب ومنار الإسلام، وبدأ في إنشاد الشعر مع المنشد أبو الجود (منذر سرميني) ومجموعة من أصدقائه في الأعراس التي كانت بالغالب في المساجد وقتها.
قدَّم للمنشد أبي الجود بعض النصوص من شعره مثل: رجعنا رجعنا ، قد عزمنا للنضال، جاهد في الله أخيّه، فقام بتلحينها وإنشادها وكانت لهذه الأناشيد الصدى الجيّد على الجمهور وبذلك تأسَّست فرقة أبو الجود عام 1977م.
عمل في شركة سنا للإنتاج الفني والتوزيع بجدة في المملكة العربية السعودية.
كتب للأطفال أكثر من مئتين وخمسين أنشودة، بعضها قصير جداً، وبعضها طويل، يمثل حكايات شعرية.
لديه العديد من الدواوين الشعرية منها: (نشيدنا)، (القادمون الخضر)، (نعيم الروح)، وعدد من المسرحيات الإسلامية.
نالت أعماله عدداً من الجوائز من أههما: جائزة الدولة لأدب الطفل في قطر2008 عن ألبوم صباح الخير يا أمي. والجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة 2001 عن ألبوم عودة ليلى. والجائزة البرونزية في مهرجان البحرين 2001 عن ألبوم طائر النورس. والجائزة الذهبية والبرونزية في مهرجان عمان 2010 عن أنشودتي أغلى هدية وخالتي.
لماذا يكتبُ للأطفال ؟
يستشهد الشاعر سليم عبد القادر بقول الشيخ جودت سعيد استدلالاً على أهمية الكتابة للطفل وصعوبتها في آن معاً في قوله: (كلّ شيء الهدم فيه أسهل من البناء إلاَّ عالم الأفكار الهدم أصعب من البناء)، فيقول: (فالطفل عندما يكتسب فكرة وأمراً سيئاً إصلاحه قد يأخذ سنوات طويلة. من هنا كان الوعي بأهمية الكتابة للطفل كونه عملاً إيجابياً ويترك أثراً على المدى الطويل، فالطفل صفحة بيضاء ناصعة قابلة للتأثر بأيّ عامل سواء كان إيجابياً أو سلبياً. وقد يعود السبب أيضاً للتركيبة الشخصية للإنسان نفسه إن كانت الطفولة خصبة، فطفولتي في مدينة حلب بين البساتين وبرك المياه والطبيعة الخلابة، البيئة أعتبرها إلى حد ما تربة غنية للكتابة، وبعد ذلك حبّ الشاعر للأطفال والتفاعل معهم).
"الطفل والبحر" .. حبُّ الله إيمان
"
يستشهد الشاعر سليم عبد القادر بقول الشيخ جودت سعيد استدلالاً على أهمية الكتابة للطفل وصعوبتها في آن معاً في قوله: (كلّ شيء الهدم فيه أسهل من البناء إلاَّ عالم الأفكار الهدم أصعب من البناء).
"
ترسيخ التوحيد الخالص لله سبحانه في نفوس وعقول الأطفال بأسلوب مُبدع من خلال محاكاة مخلوقاته التي تنطق بوجوده وتسبّح بحمده تعالى، والذي يعدُّ البحر بأمواجه ومكنوناته وأسراره من دلائل قدرة الله وإبداع صنعه...
ومن "الطفل والبحر" اخترتُ لك ..
أمامَ البحـــر قد وقـفا صـبيٌّ يجمــعُ الصَّــدَفا
وحين المـوجُ بـلـَّلــهُ أحسَّ البــــردَ فارتجـفا
ســؤالٌ عـابـرٌ ثــاراً بنفس الطفـــلِ فاحـتارا
يرى بحـراً ولا يـــدري لـــه مـعنىً ولا هـدفـاً
يحـارُ القلبُ والفـــكرُ فمن ســــوَّاكَ يا بحــرُ
جلالٌ ، روعةٌ ، ســــرُّ تحُيّــرُ قلبَ من وصَفَـا
وراح البحرُ يبتســــمُ و بـــالشُّـطآنِ يرتــطمُ
وحين الطفــلُ أحرجـهُ أزاح الصَّمتَ واعــــترفا
وقال البحــرُ : يا ولـدي سَــل الأسمـاكَ في كبدي
وسَــلْ موجي ، تَجدْ قلبي بحــبّ اللهِ قـد هـتـفا
إلــهُ الكون ســـوَّاني ومـن يرعــاكَ يرعـاني
تبســــَّمَ بعدها الطفلُ وحيّا البحـــرَ وانصرفـا
"نبع الحب" .. تعزيزُ القيم
الحب قيمة تربوية جميلة تؤسس لعلاقة وطيدة بين النّاس ولترسيخ معناها الحقيقي في نفوس الأطفال مهمّة جليلة كان للشاعر سهمٌ وافر فيها، إذ في أشعار (نبع الحب) تعزيز لتلك القيمة الخلقية والتربوية نحو الوالدين والإخوة والجيران والأصدقاء والمدرسة والوطن.
ومن "نبع الحب" نختار لكم أيّها المربون ..
أنت أحب النـاس إلـي ... أنت أعز النـاس علـي
أمي أنت حياة الـروح ... أنت الأغـلى من عيـني
قلت لها : يا نبع الـحب ... اسـمك مطبوع في قلبي
يملأ عمري بـالأحـلام ... يسـقيـني كالماء العذب
قلب الأم ومـا أسـماه ... ما أطهره ، ما أصفـاه
ما أكـرمه، ما أرحمـه ... فتـبـارك رب سـواه
"
رحم الله الأستاذ الشاعر سليم عبد القادر الذي أبدع فيما قدّم وترك وراءه أعمالاً تربوية قيّمة للأطفال تنتظر منّا كمربّين ودعاة ومفكرين وباحثين حسن الاستفادة منها في تربية الأبناء
"
"عائشة " .. القدوة الصَّالحة
ولتقديم نماذج للقدوة الصالحة والأسوة الحسنة في عيون الأطفال مكان خاص في شعر الأستاذ سليم عبد القادر .. كانت عائشة بن الصديق رضي الله عنهما أحد نماذجها، ونختار منها ..
عَائشةٌ بنتُ الصِّدِّيقْ ... اسمٌ مِن نورٍ ورَحيقْ
ما أَكرَمها مِن مؤمنةٍ ... قد سارتْ في خيرِ طريقْ
عائشةٌ، يا خيرَ امرأةٍ ... تَحْيا في رُوحٍ طاهرةٍ
لرسولِ اللهِ غدَتْ زوجاً ... وَصَديقاً في وقتِ الضِّيقْ
"عودة ليلى" .. فلسطين في القلب
تتحدَّث هذه القصائد عن طفلة فلسطينية أخرجها الجنود الصهاينة من بيتها، تاركة وراءها ألعابها منثورة، وهي تجسيد لمعاناة الأطفال الفلسطينيين وآلامهم جرّاء الجرائم والانتهاكات الصهيونية المستمرة ضدهم ...
ومن "عودة ليلى" نختار لك أختي المربيّة :
وقفت ليلى بعد الفجرِ ... تحكي قصتها للطيرِ
كان هنالك ذات زمانْ ... أرض ضاحكة الألوانْ
من حول حقول الزيتون ... فيها، وحقول الليمون
تمتد سهول وتلال ... يتبسم بحر ورمال
تلك بلادي يا أصحابي ... مازالت فيها ألعابي
وأتاها في الليل شتاءْ ... زلزال هز الأرجاءْ
وتحدى الزلزال رجال ... ماتوا ليعيش الأطفال
قالت في الحال الأطيار ... سوف تعود إليك الدار
كانت ليلى ترسم حلماً ... ترجو أن تلقاه يوماً
رحم الله الأستاذ الشاعر سليم عبد القادر الذي أبدع فيما قدّم وترك وراءه أعمالاً تربوية قيّمة للأطفال تنتظر منّا كمربّين ودعاة ومفكرين وباحثين حسن الاستفادة منها في تربية الأبناء وتقوية إيمانهم وتنمية قدراتهم وتعزيز القيم الإسلامية.