احتجاجات العلمانيين.. معارضة سياسية أم صراع هُوية ؟

الرئيسية » بصائر الفكر » احتجاجات العلمانيين.. معارضة سياسية أم صراع هُوية ؟
alt

ليس غريباً ما يحدث في تركيا حالياً، وما يحدث في مصر ويخطّط له في نهاية الشهر الحالي من احتجاجات تستهدف السلطة الحاكمة التي وصلت بطريقة شرعية وانتخابات نزيهة شهد لها الجميع.

ورغم الاختلاف الجغرافي بين مصر وتركيا، إلاَّ أنَّ الصورة تكاد تكون متقاربة، من حيث اتهام الإسلاميين بالاستبداد، والسعي لأسلمة المجتمع، وإقامة دولة دينية تقوم على الدكتاتورية والقمع، وإقصاء وإسكات الأصوات الأخرى، وغير ذلك من الحجج والمبررات.

مشهدٌ يؤكّد أنَّ المعارضة العلمانية، تشابهت صورها ومبرّراتها، وطريقة تعاطيها مع الأحداث، بما يؤكد خروجها عن طور المعارضة إلى طور المؤامرة.

فمن الاستخدام غير المهني للإعلام، ونشر الأخبار الكاذبة والملفقة، إلى استخدام العنف والتخريب، وما يصحبها من محاولة استفزاز التيار الإسلامي، لإيقاع الدولة في دوامة من العنف والاضطرابات، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، واتهام القائمين على الحكم بالفشل، رغم بداية عهدهم بالسلطة كما هو الحال في مصر، أو تجاهلاً لكل الإنجازات التي قام بها النظام، كما هو الحال في تركيا.

ففي تركيا على سبيل المثال، حقّق حزب العدالة والتنمية الإسلامي نتائج وإنجازات، نهضت بتركيا بشكل واضح، وجعله ينال ثقة الشارع عبر انتخابات نزيهة أكثر من مرَّة، فحينما استلم رئيس حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان السلطة، كانت متخمة بالديون الداخلية والخارجية، حيث وصلت إلى ما يفوق 160 مليار دولار، وناهزت نسبة البطالة فيها 20%.  أمَّا  النمو التركي فكان سالباً بنسبة 7.5 % ، وأحصيت قيمة المسروقات في العهد العلماني 195 مليار دولار.

وبعد عشرة أعوام من حكم أردوغان  لتركيا، تضاعف الناتج المحلي لتركيا ستة أضعاف ونصف ليصبح 960 مليار دولار بعد أن كان 147 مليار دولار، وتضاعفت مرتبات الأتراك من 2300 دولار في السنة إلى 10000 دولار سنويا، كما ارتفع حجم الصادرات التركية من 33 مليار دولار إلى 152 مليار دولار.

لذا فمَّما لا شك فيه أنَّ تركيا تمر بفترة ذهبية، تسعى لوضعها في مصاف الدول المتقدّمة.
"
وصل الأمر بالمعارضة المصرية إلى تكوين عصابة مسلحة عرفت باسم "بلاك بلوك" مستغلين غطاءً قانونياً يقوم به بعض القضاة، والصَّدى الإعلامي للقنوات المأجورة التي تهدف إلى زعزعة الوضع في مصر
"
.
أمَّا في مصر، فبمجرّد اكتساح حزب الحرية والعدالة، وحزب النور وغيرهما من الأحزاب الإسلامية للانتخابات البرلمانية، بدأت أصوات العلمانيين تحذر من خشيتها جعل مصر "دولة إسلامية"، وزادت حدتها بطريقة عدائية واضحة، بعد فوز د. محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية، حيث خرجت هذه الأصوات عن المعارضة البناءة، لتصبح عنصر هدم وتخريب، وتطالب بإعادة الانتخابات الرئاسية، وتقول ببطلان رئاسة الرئيس مرسي، بمجرد مرور بضعة أيام على توليه الرئاسة. حتّى وصل الأمر إلى تكوين عصابة مسلحة عرفت باسم "بلاك بلوك" مستغلين غطاءً قانونياً يقوم به بعض القضاة، والصَّدى الإعلامي للقنوات المأجورة التي تهدف إلى زعزعة الوضع في مصر.

وممَّا يؤكّد أنَّ الأمر خرج عن دائرة المعارضة إلى العداء الأيدولوجي والصراع على هُوية البلاد المرتقبة ، هو اتهام الإسلاميين بالمؤامرة على مصر، كما حصل باتهام حماس بالسيطرة على سيناء و قتل الجنود المصريين، أو الفرح بما يجري في تركيا من احتجاجات، والدعوة إلى الثبات عليها لإسقاط الإسلاميين هناك، بل وصل الأمر إلى التطاول على عموم المشايخ والإسلاميين والعلماء وغيرهم، ومحاصرة المساجد والاعتداء على الأئمة والمصلين.

سرّ العداء والخصومة..

ليس العداء بين الإسلاميين والعلمانيين وليد اللحظة، فهو صراع برامج وأفكار، ومنهاج ورؤى، ولقد تعرّض الإسلاميون للكثير من الأذى من قبل العلمانيين ومن دار في فلكهم، فعقب سقوط الخلافة الإسلامية، وتشكل الحكومات العلمانية على البلاد الإسلامية، كان الصوت الإسلامي مغيباً، وكان أصحابه مُجرّمون مصيرهم السجن أو التضييق أو القتل. وقد شهدت تركيا ومصر – على سبيل المثال- الكثير من الحالات التي تؤكّد على محاربة الإسلاميين من قبل العلمانيين الحاكمين، ومع كل ذلك، لم يحقّق العلمانيون خلال عقود حكمهم، سوى التخلف والتراجع، والغرق في المديونيات الخارجية، وضعف المكانة السياسية، وانتشار كل مظاهر الفساد في ربوع البلاد المختلفة.
"
كانت فترة حكم العلمانيين الطويلة، كافية لوصول الشعوب إلى قناعة مفادها، أنَّ بقاء هؤلاء في الحكم يبقي البلاد في حالة من التراجع والفوضى، والظلم والاستبداد، فثارت الشعوب عليهم، لتختار ، أولئك المضطهدين الذين عانوا الويلات من تلك الأنظمة، وبقوا ثابتين على مبادئهم وثوابتهم
"
لذا وبناء على ما سبق، كانت فترة حكم العلمانيين الطويلة، كافية لوصول الشعوب إلى قناعة مفادها، أنَّ بقاء هؤلاء يبقي البلاد في حالة من التراجع والفوضى، والظلم والاستبداد، فثارت الشعوب عليهم، لتختار بمجرد اعتبار رأيها بكل شفافية ونزاهة، أولئك المضطهدين الذين عانوا الويلات من تلك الأنظمة، وبقوا ثابتين على مبادئهم وثوابتهم النابعة من ديننا الحنيف، وأحكامه وتشريعاته.

وهنا لم تستوعب تلك الأحزاب حقيقة فشلها، فحاولت أن تبقي نفسها ممثلة للشعوب، رغم خسارتها شعبياً في أكثر من جولة كما هو الحال في مصر وتركيا، مستخدمة الإعلام المضلل، والمال السياسي، بحيث تعتمد على مبدأ التشويه والفبركة وعرقلة الإنجاز وإزعاج السلطة، كما هو في مصر، وإقناع الناس أنَّ تجربة الإسلاميين هي تجربة فاشلة، لا تحقق إلاّ الاقتتال والدَّمار والتخلف.

لذا ليس الموضوع متعلّقاً بمعارضة تقف أمام أخطاء السلطة، فهذا حق يكفله الشرع والقوانين، لكنه صراع للانقلاب على كل ما جاءت به الديمقراطية واختيارات الشعوب، التي طالما تغنّى بها العلمانيون، بمجرد إقصائها لهم عن صنع القرار وسدة الحكم.

لذا يحتاج الإسلاميون في هذا الصراع إلى العمل على تقوية علاقتهم بشعوبهم وحمل همومهم والرّقي بهم، واختيار الكفاءات في تحقيق الإنجاز والنهضة، مع ضرورة التعامل مع المعارضة بما يحفظ إنجازاتهم، ويدرأ عن البلاد مخاطر الفوضى والاقتتال وزوال هيبة الدولة والقانون.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …