أيام معدودة، ويحل علينا شهر رمضان وتبدأ مرحلة التسابق في الخيرات والطاعات، لنيل رضا الله ومغفرته، والفوز بجنته.
فالمسلم يعتبر شهر رمضان فرصة للتغيير، وتجاوز عمّا وقع به خلال العام من أخطاء ومعاصي، فهو أفضل الشهور، وفيه أفضل الليالي وهي ليلة القدر، والخسارة فيه لا تعدلها أية خسارة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم رقي المنبر فقال: آمين آمين آمين، فقيل له: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ فقال: قال لي جبريل: أرغم الله أنف عبد -أو بعد- دخل رمضان فلم يغفر له. فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد أدرك والديه أو أحدهما لم يدخله الجنة. فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين. (رواه ابن خزيمة وغيره)
أهمية الاستعداد والتجهيز
ولما لرمضان من فضل عظيم، وواجبات ومهمات كثيرة، حري بالإنسان الحريص على الفوز فيه الاستعداد له والقيام بالطاعات فيه كما ينبغي.
ومن المحزن أن نجد الكثير من الناس يسعون إلى استغلال شهر شعبان بالطعام والشراب، والغفلة عن العبادات، بحجة أنهم سيقومون بها في رمضان، فالأولى أن يرتاحوا في هذه الأيام حتى يقوموا بها في رمضان.
وهذا المنطق العجيب، يتناقض مع هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي كان يستعد لصيام رمضان بصيام أكثر أيام شعبان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: " ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان" (متفق عليه). و عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان، فلما سأله، قال له: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " (رواه أحمد والنسائي)
"
أشار النبي صلى الله عليه سلم إلى أن شهر شعبان يغفل عنه الكثير من الناس وفي هذا دليل على استحباب أن يقوم الإنسان بعمارة أوقات غفلة الناس عن الطاعة، فهذا أمر محبب إلى الله تعالى؛ لأنه أشق على النفوس لقلة من يقومون بها
"
ففي الحديث السابق يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن شهر شعبان يغفل عنه الكثير من الناس؛ لأنه يقع بين شهري رجب ورمضان، وفي هذا دليل على استحباب أن يقوم الإنسان بعمارة أوقات غفلة الناس عن الطاعة، فهذا أمر محبب إلى الله تعالى؛ لأنه أشق على النفوس لقلة من يقومون بها. فالطاعة التي يقوم بها الكثير من الناس أسهل من تلك التي يغفل عنها الناس، والعبادة في شعبان صعبة على من يريد القيام بها، لانشغال الناس بالدنيا وملذاتها عن التجهيز لرمضان بالطاعة والعبادة.
ولهذا الكلام شواهد قوية، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الفتن كالهجرة إلي" (رواه مسلم وأحمد وغيرهما) فالناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية، فإذا انفرد من تمسك بدينه ويعبد ربه كان بمنزلة من هاجر من أهل الجاهلية، متبعاً لأوامره. وهكذا حال من يعبد الله في شعبان، في ظل انشغال الناس عن العبادة، وأداء حق الله فيه، رغم ما لشهر شعبان من فضائل كثيرة أشارت إليها النصوص النبوية.
لذا يجب على المسلم أن يجعل شعبان مقدمة لشهر رمضان، فيقوم فيه بنفس الطاعات التي سيقومها في رمضان، من صيام وقيام لليل وقراءة للقرآن، حتى تعتاد نفسه على طاعة الله ويحصل الاستعداد الجيد لاستقبال الشهر الفضيل.
فالنفس إن قامت بالواجبات مرة واحدة دون تهيئة فإنها سرعان ما تفتر وتستثقل القيام بالطاعة، ولهذا نجد الكثير من الناس يتحمسون في بداية الشهر الفضيل فيقوموا بالعبادات بشتى أصنافها، ثم يتكاسلون عنها بعد أيام قليلة، فينشغلوا عنها بأي من الملهيات؛ لأن نفوسهم لم تتعلق بها، ولم تتهيأ للقيام بها على أتم وجه.
وبناء على ما سبق، لابد أن تعتاد النفوس على تلك العبادات، ولو بأقل القليل، حتى لا تفتر عنها في رمضان، ولا تخسر في شهر هو موسم للنجاة والفوز برضوان الله ومغفرته.