” الحمد لله ” مَعِينُ التَّوحيد الخالص

الرئيسية » بصائر تربوية » ” الحمد لله ” مَعِينُ التَّوحيد الخالص
alt

{الحمدُ لله} كلمتان خفيفتان على اللّسان عظيمتان في الأجر والميزان تلهجُ بهما ألسنةُ المؤمنين في كلِّ ركعة من صلاتهم، فهما آيةٌ من آيات سورة الفاتحة، وفاتحة الفاتحة كانت بالحمد، وكذا سورة الأنعام: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ}،  وسورة الكهف: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}، وسورة سبأ :{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}. وسورة فاطر:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وتكرّرت هذه الجملة 23 مرّة في القرآن الكريم.

والحمدُ في هذه الآيات شكّل جملة اسمية، والجملة الاسمية كما هو معروف عند أهل اللغة تفيدُ الدَّوام والثبوت، وهي تفيدُ مع ذلك هنا الحمد الإطلاق من المتكلم وغيره دون تحديد فاعل معيّن، قال الله تعالى: {وإنْ مِنْ شيءٍ إلاَّ يسبِّح بِحَمْدِه ولكن لا تَفْقَهُونَ تَسبيحهم}. وبالإطلاق الوارد في الجملة الاسمية يحدث الشمول الذي لا يشمل البشر فقط، بل يتجاوزهم إلى كلِّ ما في الكون.
"
إنَّ الحمد عبارة عن صفة القلب؛ وهي اعتقاد كون ذلك المحمود متفضلاً مُنعماً مستحقاً للتعظيم والإجلال
"
وقد علّل بعضُ المفسّرين الحكمة من كونها جملة اسمية، فقالوا: (إنَّ الحمد عبارة عن صفة القلب؛ وهي اعتقاد كون ذلك المحمود متفضلاً مُنعماً مستحقاً للتعظيم والإجلال، فإذا تلفظ الإنسان بقوله: أحمد الله مع أنه كان قلبُه غافلاً عن معنى التعظيم اللائق بجلال الله كان كاذباً لأنَّه أخبر عن نفسه بكونه حامداً مع أنَّه ليس كذلك. أمَّا إذا قال: {الحمد لله} سواء كان غافلاً أو مستحضراً لمعنى التعظيم فإنَّه يكون صادقاً لأنَّ معناه أنَّ الحمد حق لله وملكه، وهذا المعنى حاصل سواء كان العبد مشتغلاً بمعنى التعظيم والإجلال أو لم يكن).

لا شريكَ لهُ في الحمد

الحمد كلّه لله تعالى وهو سبحانه وتعالى أهلٌ لكلِّ المحامد وليس ذلك لأحد إلا الله تعالى، قال الله عزّ وجل: {دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}.
"
الحمد كله أجمعه بشتى أنواعه التي يتصوّرها العقل والتي لا يتصوَّرها العقل هي ملك لله ويتصف بها الله سبحانه وتعالى، وإن وجدت بعض المحامد في بعض عباد الله فمحامد الله خير وأكبر وأحسن
"
فالله سبحانه وتعالى يستأثر بالملك وبالحكم وبالحمد، فهو وحده لا سواه المالك والمختص بالملك والحكم والحمد، كما أنَّه لا مالك حقيقة إلاَّ الله ولا حكم يجري على الوجود إلاَّ حكم الله، فكذلك الحمدُ هو لله، فالحمد كله أجمعه بشتى أنواعه التي يتصوّرها العقل والتي لا يتصوَّرها العقل هي ملك لله ويتصف بها الله سبحانه وتعالى، وإن وجدت بعض المحامد في بعض عباد الله فمحامد الله خير وأكبر وأحسن.

فالله يتصف بالحمد في أفعاله وأقواله وتصريفه وخلقه في كلِّ مكان وزمان، قال الله تعالى: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ}. (الروم: 18). وقال سبحانه: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. (الجاثية: 36). وله الحمدُ في الدنيا كذلك له الحمدُ في الآخرة، قال عزّ وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}. (سبأ: 1).

الكلُّ يسبّح بحمده

إنَّ مخلوقاتِ الله سبحانه في السَّماوات والأرض وفي الكون كلّه تسبّح بحمد الله، فالملائكةُ عندما أعلمها الباري عزّ وجل بجعل خليفة في الأرض قالت: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. وقال سبحانه عنهم: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}، وكذا حملة العرش منهم: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}، و{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}. وكذا الظواهر الكونية تسبّح بحمد خالقها، ومنها الرّعد، قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}. ويُخبر المولى تبارك وتعالى أنَّ الخلائق المختلفة لا تنفك عن التسبيح بحمده بلغاتها التي لا تلتبس على باريها، فيقول: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.
"
يوجّه الله سبحانه في كتابه الكريم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو صفوة خلقه إلى المواظبة على الحمد مقروناً بأعمال صالحة وأخلاق فاضلة
"

الحمدُ منطلقُ العمل الصَّالح

يوجّه الله سبحانه في كتابه الكريم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو صفوة خلقه إلى المواظبة على الحمد مقروناً بأعمال صالحة وأخلاق فاضلة وكأنَّ الحمد هو القاعدة الأساسية التي تنطلق منها تلك الأعمال وتغذيها، والتوجيه هنا عامٌ لأمته في كل وقت وحين، وهو سبحانه حين يوجّه صفوة خلقه عليه الصلاة والسلام للحمد والتسبيح بحمده يحدّد أوقات ذلك، وقد حفل القرآن الكريم بهذا المعاني والتوجيهات، ففي العبادة قال الله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ *وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}. وفي الصبر قال سبحانه: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}. وقال عزّ وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار}. وقال سبحانه: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ*وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}. وفي الصبر قال عزّ من قائل: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ*وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}. وفي التوكل قال سبحانه وتعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …