حتى إذا بلغ.. عشر سنوات

الرئيسية » بصائر تربوية » حتى إذا بلغ.. عشر سنوات
alt

جرت عادة طيِّبة في العائلات التي تحرص على إحياء المعاني الإسلامية في تربية أبنائها على الاحتفال ببلوغ الولد أو البنت سن السابعة باعتباره سن البدء بالصَّلاة، وتكون مناسبة تحفيزية للالتزام بالصَّلاة وإشعار الطفل بأنَّه الآن على أعتاب مرحلة جديدة وأنَّ هناك ما يميِّز هذه المرحلة.

وهي في الحقيقة لفتة طيبة وذات أثر جميل لمسناه من خلال معايشتنا للعديد من التجارب في أكثر من بلد، ولربما يكون الأهل المغتربون في البلاد الأجنبية هم الأكثر حرصاً على مثل هذه الفعاليات وذلك لإضفاء جو من البهجة والسعادة على مثل هذه المناسبة في مقابل المنافسة الشديدة من مغريات المناسبات الأخرى هناك!!

اتصلت بي أخت يوماً، وأطلقت سؤالاً كان هو قدح الزناد لهذه الكلمات، قالت لي: سيبلغ ابني العشر وأطلب منك وصية!!

استوقفني الطلب، واستوقفني أنَّ لهذا السن فعلاً ما يحتاج من الوالديْن أن يقفا عنده وقفة إيجابية ذكيَّة كتلك التي وقفها البعض عن سن السّابعة .. إنّه سن العاشرة الذي قال عنه الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: ((واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع))، فأيّ سرّ من الأسرار تحمله هذه المرحلة وأيّ علامة فارقة نحتاج إحياءها عند أبنائنا إذا بلغوا العشر؟

في منتصف الطريق..
يقع سن العاشرة في منتصف طريق "الطفولة المتوسطة" وفق التصنيف التربوي لمراحل الطفولة، وهي المرحلة الممتدة من عمر 6سنوات وحتى 12 سنة مع بعض الاختلافات بزيادة أو نقصان سنة.

لكنّها المرحلة الأهم التي يظهر فيها ميل الطفل للانتقال من عالم "الطفولية" في التعامل والتفكير إلى عالم "الكبار" محاولاً إبراز شيء من استقلالية الشخصية والثقة بالنفس والتخلّي عن وصاية الكبار، وهي المواصفات التي تتضح معالمها أكثر فأكثر مع الاقتراب من مرحلة المراهقة، وهذه نقطة مهمة!!

إذ يشتكي الكثير من الأهل بأنَّ علامات المراهقة وتصرّفاتها بدأت بالظهور فجأة ودون مقدمات على ابنهم أو ابنتهم، ولكن حقيقة الأمر أنَّ "عين" الأب والأم لم تكن تلحظ مثل هذا التطور التدريجي لكونه يتصف بشيء من الهدوء والبطء بخلاف التطور السريع في مرحلة المراهقة.

وعليه، فإنَّ هذه المرحلة وهي سن العاشرة هي المرحلة التي يجدر بنا أن نطلق عليها مرحلة "تسليم المهام" أو "انتقال المسئولية"، فالوصية النبوية بالضرب على عدم الالتزام بالصَّلاة في سن العاشرة تحمل في طياتها انتقال مسؤولية التذكير والالتزام بالصلاة بشكل تدريجي من الوالديْن إلى الابن نفسه، وبالتالي أصبح جديراً بأن يعاقب على عدم التزامه بخلاف ما كان في سن السابعة، إذ كان من واجب الوالدين التذكير والتشجيع والدفع نحو الصَّلاة في كل وقت..

منارات على الطريق
عادة ما يقلقنا تصرّف أبنائنا وأسلوبهم في التعامل مع مراحل عمرهم المختلفة، وننسى أنَّ هناك ما يجب علينا نحن القيام به من أجل ضمان أكبر قدر من الإيجابية والأمان في عبور هذه المراحل الانتقالية من عمر أطفالنا، ومناراتنا على الطريق هي وصايا للأب والأم، ثمَّ همسات في أذن الولد والبنت يقدّمها الوالدان في جلسة هادئة مليئة بالحب والود تسهم بإذن الله في عبور الطريق نحو الشباب باتزان وطمأنينة وثبات..

لكِ
غاليتي الأم، يا من ترقبين نمو طفلك عاماً بعد عام، وتكاد روحك الحنونة تلتف حول ابنك وابنتك لتمنع عنه الخطأ والزلل، اعلمي أن هذا السن-العاشرة- تبدأ فيه علامات النمو الجسدي بالظهور لدى طفلك ذكراً أو أنثى وهذا يعني عدة أمور من أهمها:
١. أن تتقبلي اهتمامه الزائد بشكله وملابسه.
٢. أن تعلمي أن هذا يعني بداية فورة الهرمونات، وهذا يعني مزاج متقلب وشخصية متأرجحة وسلوك غريب أحياناً .. تقبلّي ذلك ووجهيه بلطف وإياك والتعنيف لأن السلوك في هذه الفترة طارئ وليس أصلاً .. قد تلاحظين بعض سلوكيات الفوضى وعدم النظام مثلا فوجهي بلطف مع التأكيد والتذكير المستمر..
٣. تغيّر الشكل والمحتوى الداخلي له يحتاج إلى رفع مقدار الثناء والمدح .. بين الفينة والأخرى لتعزيز الثقة بالنفس.
٤. ازدياد الاهتمام بالأقران والانتماء لهم والمقارنة معهم يحتاج إلى حرص في المتابعة وحوار في أسس الاختيار وإلى أيّ مدى صديقي يمكن أن يؤثر على نظرتي لنفسي واختياراتي لحياتي..
5.  قد تبلغ البنت في هذه السن، لذا من المهم جدا مراقبة نموها وإذا شعرتِ بقرب مثل هذا الشيء يجب البدء في توعيتها بما ستواجهه، والاتفاق على ضرورة الحجاب وتوابع ذلك من التكليف والحساب، كل ذلك يتم في جو من الدفء العاطفي والقرب وإشاعة الطمأنينة دون رهبة أو خوف، وقد يكون من المناسب مصاحبتها في رحلة تسوّق لشراء حجاب يتم تجهيزه مسبقاً.

لكَ
عزيزي الأب، ها هم يكبرون ليصبحوا العضد الذي تستند إليه، ولترى فيهم الحلم الذي راودك مراراً، ولكن:
١. شارك زوجتك في ملاحظة ما سبق وأشركها في ملاحظاتك وتوجيهاتك، وليكن بينكما اتفاق على كيفية التعامل مع هذه المرحلة.
٢. لتلعب دور الصديق .. في هذه المرحلة يجب أن تخف سلطة الأبوة والتوجيه لتتغلف بغلاف إشعار الابن بالثقة وأنَّه محل تقدير واهتمام، وربّما يعتقد كثير من الآباء بأنَّ هذا يقتصر على الأولاد الذكور، وأن البنت تكتفي بأمها في هذه الفترة، لكن الحقيقة غير ذلك، فالبنت تكون في أشد الحاجة إلى العطف الأبوي وإشعارها بالحنان والثقة من خلال الممازحة والملاطفة والثناء على اهتمامها بنفسها ونظافتها ومظهرها ومساعدتها لأمّها إلى غير ذلك من المواقف التي يجب أن يلاحظها الأب باستمرار.
٣. ليكن بينكما - أيها الأب والأم -  اتفاق دائم أن يلعب الغائب منكما لمدَّة أطول عن الطفل دور (المدافع) عنه، ففي كل موقف أو نقاش: أنا اعرف ولدي/ابنتي لا أعتقد أنه سيقوم بكذا إلاّ إذا كان هناك شيء معيّن يفكر فيه فلنسمع منه ونحكم بعد ذلك.. وهذا الدور من الأب أنجح وأفضل على المدى البعيد.
٤. يحتاج الابن أن يبدأ الأب بتذكيره بتدرج بحدود التعامل مع الطرف الآخر: الاستئذان على الأخوات في البيت/غض البصر/...دون مبالغة وذلك لنقله إلى مرحلة التكليف والاستعداد للبلوغ الذي عادة ما يكون لدى الذكور بعد هذا العمر بسنتين أو ثلاث..

له
هذا العمر هو المنعطف في انتقال المسؤولية الشخصية منكما إليه..

في سن العاشرة يصبح هو بكامل أهليته ليدفع نفسه للصلاة دون تذكير، وليحافظ على متطلبات الصلاة من طهارة وأركان دون متابعة .. ويبقى على الأهل مهمَّة التذكير لأوقات متباعدة..

هذا يعني أن أهم علامات كونك تعي حقيقة أنك (كبرت) أن أجد منك تحملك لمسؤولية صلاتك .. فإذا عرفنا ورأينا من ذلك اعتقدنا بأنك بالفعل أهل لتحمل مسئوليات أخرى، فعليك أن تنجح في تحمل هذه المسئولية قدر استطاعتك..

من الجميل جداً أن يتم نقل هذه المعاني من خلال بطاقة لطيفة مع هدية جميلة، أو عبر سلسلة من الرسائل المفاجئة كل صباح تحت الوسادة.

وفي هذا العمر، تبدأ ثمار التربية في الظهور على شكل سلوك التعامل مع الأهل والآخرين، ومن المعينات ذات الأثر الفعَّال في هذه المرحلة مرافقة سورة "الحجرات" حفظاً وتدبراً وتفسيراً وتطبيقاً؛ فهي سورة الأخلاق التي لو التزم بها كل فرد لكانت أحوال الناس غير أحوالها الآن، والله المستعان..

حتى إذا بلغ ابنك العشر .. مرحلة تحتاج منك إلى إعداد وما تزال تجاربكم تثري خبراتنا، فلا تبخلوا علينا بإدراجها في التعليقات..

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …