يقول المولى تبارك وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}. (التوبة:36). فمن الأشهر المباركة التي خصّها سبحانه بالفضل شهر رمضان، لأنَّه تعالى فاضل بين خلقه زماناً ومكاناً، ففضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، ففضل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:185)، وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ((أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان)). رواه أحمد.
"
((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين يوماً))
"
ولاستقبال هذا الشهر المبارك حدَّد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بداية الصوم ونهايته برؤية الهلال، فقال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين يوماً))، وقال عليه الصَّلاة والسّلام في رواية أخرى للحديث: ((إنّما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له))، فدلّت الأحاديث النبوية على أنَّ السبب الشرعي لبداية شهر رمضان هو رؤية هلال رمضان، وذلك لم تحظ أهلة الشهور العربية بالاهتمام مثل ما حظي به هلال شهر رمضان، ويعود الأمر لارتباطه بأفضل الشهور عند الله تعالى الذي خصَّه بالعديد من الفضائل كما ذكرنا آنفاً.
رؤية الهلال
"
اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربّي وربك الله
"
إنَّ رؤية كما قرّر الفقهاء هي المعتبرة دون الحساب؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم: ((إنَّا أمَّة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين)). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (قيل للعرب أميون لأنَّ الكتابة كانت فيهم عزيزة، قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم}. ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب، لأنَّ الكتابة فيهم قليلة نادرة والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضا إلا النزر اليسير فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا ويوضحه قوله في الحديث: ((فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدَّة ثلاثين)). ولم يقل: فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم).
دُعاء
ثبت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم كما في مسند أحمد أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان فيقول: ((جاءكم شهر رمضان، شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم...)).(الحديث).
وروى الإمام أحمد في مسنده أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند رؤية الهلال: ((اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربّي وربك الله)). وفي رواية أخرى في سنن الترمذي: ((اللهمَّ أهلّه علينا باليُمن والإيمان والسَّلامة والإسلام هلال خير ورشد ربّي وربّك الله)).