بين بدر والفتح .. الانتصار في شهر رمضان

الرئيسية » بصائر نبوية » بين بدر والفتح .. الانتصار في شهر رمضان
alt

يرتبط شهر رمضان المبارك في نفوس المؤمنين بمعاني العزّة والقوّة والانتصار، ذلك أنَّ أحداثاً تاريخية مفصلية أثرّت في حياة المسلمين عبر التاريخ خلال هذا الشهر المبارك، فأسّسوا قوّة بعد ضعف وحققوا عزّاً بعد ذل، وليس ذلك من قبيل المصادفة، فالمولى سبحانه كل الأحداث والتغييرات عنده بمقدار قال سبحانه: {وكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ}.

وكما أنَّ شهر رمضان هو موسم للإعداد الروحي والارتقاء بالنفس كذلك هو موسم للإعداد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني القوّة النفسية والجسدية، وقد جاءت آيات القرآن الكريم تؤكّد هذا المعنى، ففي سورة البقرة وبعد آيات الصيام { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} يبتدئ الحديث عن  الجهاد والقتال في سبيل الله {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

فالعلاقة بين الصيام والجهاد علاقة وطيدة تؤكّدها أحداث السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي؛ فأول خروج للمسلمين لقتال مشركي قريش كان في رمضان سنة 1 للهجرة، ولم يكن الصيام قد فرض بعد، في سرية حمزة بن عبد المطلب عمِّ رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام، في مكان يُعرف باسم (سَيف البحر).

"بدر" بداية الانتصار
"
لقد استطاع المسلمون في هذه الغزوة بعد النصر فيها {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}. أن يغيَروا مجرى التاريخ؛ فكيف لا وقد سمّاها المولى عزّ وجل يوم الفرقان
"
وفي 17 رمضان سنة 2هـ كان أهم حدث في تاريخ الإسلام ألا هو غزة بدر الكبرى التي حقّق فيها المسلمون بقيادة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم انتصاراً مؤزراً غير مجرى كثير من الأحداث والواقع في الجزيرة العربية ومن ثمَّ في تاريخ العالم كلّه.

لقد استطاع المسلمون في هذه الغزوة بعد النصر فيها {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}. أن يغيَروا مجرى التاريخ؛ فكيف لا وقد سمّاها المولى عزّ وجل يوم الفرقان، يقول د. راغب السرجاني: (لأنَّ في بدر وُضِعَتْ كل قواعد بناء الأمة الإسلامية؛ في غزوة بدر عرف المسلمون أن النصر من عند الله وليس بالعدد ولا العدة، فلا يصلح لأمة بعيدة عن ربها، وبعيدة عن دينها أن تنتصر؛ واقرؤوا سورة الأنفال التي تتحدث عن غزوة بدر: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10]. كيف يمكن لعدد مثل 313 أو 314 أن يغلبوا ألفًا؛ هذا العدد القليل معه 70 جملاً، والعدد الكبير معه 700 جمل، هذا العدد القليل معه فرسان، والعدد الكبير معه مائة فرس، العدد القليل خارج بسلاح المسافر، والعدد الكبير خارج بسلاح الجيوش}.  ويقول: (كل قواعد بناء الأمة الإسلامية وُضعت في بدر، كل هذه القواعد نتعلمها في رمضان، نقترب من الله - سبحانه وتعالى- الذي بيده النصر في رمضان، نزيد من أواصر المودة والأخوة بين المسلمين، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تبني الأمة الإسلامية، تضحِّي بمالك وجهدك ووقتك في رمضان، تقوِّي صحتك وبدنك ولياقتك في رمضان.. وبإيجاز يكون الجهاد والإعداد له في رمضان).

"فتح مكة" تعزيز الانتصار

وفي سنة كان الموعد مع حدث من أهم أحداث التاريخ، إنَّه فتح مكة، اللقاء الأخير والفيصل مع مشركي قريش؛ فقد خرج الرسول وجيش المؤمنين من المدينة المنورة قاصدًا مكة في 10 رمضان سنة 8هـ، وفتحها في 21 رمضان.
"
لا يوجد عدوٌّ من أعداء الإسلام إلاَّ وحاربناه وانتصرنا عليه في رمضان؛ سواء كانوا مشركين أو صليبيين أو تتارًا أو فرسًا أو يهودًا، ولا يأتي رمضان إلاَّ ونتذكر هذه الانتصارات
"
والموقف -كما يقول د. راغب السرجاني – في مقال له عن "رمضان شهر الانتصارات": (مختلف عن بدر؛ ففي غزوة بدر كان الخروج في رمضان على غير اختيار المؤمنين؛ لأن القافلة المشركة بقيادة أبي سفيان جاءت في ذلك التوقيت فخرجوا لها، لكن الخروج في فتح مكة كان بتخطيط وتدبير من رسول الله ومن المؤمنين، كان من الممكن أن يُؤَخِّروا الخروج 3 أسابيع فقط ليخرجوا في شوال بعد انتهاء رمضان، كان من الممكن أن يقول بعضهم: نستفيد بالصيام والقيام وقراءة القرآن، ونُؤَخِّر الجهاد 3 أسابيع فقط .. لكن كل هذا لم يحدث).

في هذا الشهر الكريم الرَّسول عليه الصّلاة والسلام هدم صنم هبل، ومعه أكثر من 360 صنمًا بداخل الكعبة المشرفة، وهذه الأصنام ظلت داخل الكعبة 21 سنة، بداية من نزول البعثة على الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالتأكيد ظلت هذه الأصنام سنين طويلة قبل البعثة موجودة، في كل هذه الشهور السابقة والسنوات السابقة ربنا -سبحانه وتعالى-  يختار أن هذه الأصنام تُدَمَّر وتكسر وتقع في شهر رمضان.

ويؤكّد الدكتور السرجاني أنَّه لا يوجد عدوٌّ من أعداء الإسلام إلاَّ وحاربناه وانتصرنا عليه في رمضان؛ سواء كانوا مشركين أو صليبيين أو تتارًا أو فرسًا أو يهودًا، ولا يأتي رمضان إلاَّ ونتذكر هذه الانتصارات، وهذه نعمة عظيمة مَنَّ الله عز وجل بها علينا؛ لنظلَّ نتذكر الجهاد والانتصار إلى يوم القيامة.

اللهمّ حقّق نصرك وأيّد به المرابطين والمدافعين عن المشروع الإسلامي والتمكين له في مصر وفلسطين وفي كل مكان يذكر فيه اسمك يارب.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

حق الملح: هل يقدّر الأزواج جهود زوجاتهم في رمضان؟

مشهد دافئ في صباح عيد الفطر المبارك يحصل في بعض بيوت المغرب العربي.. صباح العيد …