إنَّ أفضل جائزة وأرفع غنيمة ينالها الإنسان في حياته هي الفوز بالجنة والنجاة من النّار، قال الله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}. (آل عمران: 185).
فكم من أناس يسعون في حياتهم لتبرئة أنفسهم وعتقها من أسباب الخسارة المادية والاجتماعية وغيرها وينسون أن يلزموا أنفسهم سُبل تخليصها من النار؛ هذه السبل الواضحة التي أرشدنا إليها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والتي منها الإخلاص، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ((لن يوافي عبد يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار)). (رواه البخاري).
"
كم من أناس يسعون في حياتهم لتبرئة أنفسهم وعتقها من أسباب الخسارة المادية والاجتماعية وغيرها وينسون أن يلزموا أنفسهم سُبل تخليصها من النار
"
ومنها البكاء من خشية الله، حيث يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبداً)). (رواه الترمذي والنسائي).
ومنها السعي وحث الخطى في سبيل الله، فعن يزيد بن أبي مريم رضي الله عنه قال: لحقني عباية بن رفاعة بن رافع رضي الله عنه وأنا أمشي إلى الجمعة فقال: أبشر، فإنَّ خطاك هذه في سبيل الله سمعت أبا عبس يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ((من اغبرّت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار)). (رواه الترمذي).
وفي شهر رمضان المبارك تكون جائزة العتق من النار متوفرة لطالبها في سائر أيامه ولياليه المباركات، ففي سنن الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)). في مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّ لله عتقاءَ في كلِّ يوم وليلة، لكلِّ عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابة)). أي في رمضان، وفي سنن ابن ماجه عن جابر بن عبد الله مرفوعاً: ((إنَّ لله عند كل فطرٍ عتقاءَ وذلك في كل ليلة)).
دعاء ومناجاة
ومن الأسباب الموصلة لنيل تلك الجائزة في هذا الشهر المبارك كثرة التضرّع إلى الله سبحانه بالدعاء، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}. قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر). وقال الرّسول عليه الصَّلاة والسَّلام: ((ما سأل رجل مسلم الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثاً إلا قالت النار: اللهم أجره منِّي)).
مع السلف الصالح
"
ثمَّ يتوضأ ويقول إثر وضوئه: (اللهم إنَّك عالم بحاجتي غير مُعلَّم، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النَّار).
"
في حلية الأولياء لأبي نعيم، كان سفيان الثوري يستيقظ مرعوبًا يقول: النار .. النار، ويقول: شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثمَّ يتوضأ ويقول إثر وضوئه: (اللهم إنَّك عالم بحاجتي غير مُعلَّم، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النَّار).
وكان عطاء الخراساني يقول: (إنّي لا أوصيكم بدنياكم، أنتم بها مستوصون، وأنتم عليها حراص، وإنما أوصيكم بآخرتكم ، تعلمون أنه لن يعتق عبد ، وان كان في الشرف والمال، وإن قال أنا فلان ابن فلان حتى يعتقه الله تعالى من النار ، فمن أعتقه الله من النار عتق، ومن لم يعتقه الله من النار كان في أشد هلكة هلكها أحد قط ، فجدُّوا في دار المعتمل لدار الثواب، وجدُّوا في دار الفناء لدار البقاء ، فإنما سميت الدنيا لأنها أدنى فيها المعتمل، وإنما سميت الآخرة لأنَّ كل شيء فيها مستأخر، ولأنها دار ثواب ليس فيها عمل، فألصقوا إلى الذنوب إذا أذنبتم إلى كل ذنب : "اللهم اغفر لي"؛ فإنَّه التسليم لأمر الله).
اللهم اعتق رقابنا من النّار في هذا الشهر المبارك، واعتقنا من رقّ الذنوب، وخلَّصنا من أَشَر النُّفوس، وأذهب عنّا وحشة الإساءة، وطهّرنا من دنس الذنوب، وباعد بيننا وبين الخطايا، وأجرنا من الشيطان الرَّجيم.